Jameel Motors
Jameel Motors
الأنظار تتجه نحو مصر

التنقل المشترك يرسم ملامح المستقبل

Jameel Motorsدبي، الإمارات العربية المتحدة
6 سبتمبر، 2023
Jameel Motors14 دقيقة للقراءة
Jameel motors

هل يقتصر معنى وجود سيارة على مساعدة ركابها في القيام بجولة وحسب؟ سؤال طرحه جيه جي بالارد، أحد كبار كُتاب الخيال العلمي في القرن العشرين[1]. عندما كان بالارد يكتب في عام 1971، كان من الجلي أن الطرق الحضرية يتم تصميمها كي تلبي احتياجات السيارات، وهي ظاهرة تجسدت في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية التي تعيش في معاناة تحت “سحب عوادم السيارات وآفاق الانتاج البشري وتطور أنظمة الطرق السريعة العملاقة “.[2]

في ذلك الحين، عندما كان البعض يتحدث عن السيارات بوصفها محفزات لبناء مجتمع أكثر عدلاً وازدهاراً، كانت تلك الآراء تقابل بجدل واسع. والآن، وبعد أكثر من نصف قرن، يجدر بنا أن نلاحظ أن تلك المخاوف قد استشرت، و أن المدن، القديمة منها والحديثة، أصبحت تنأى بنفسها عن مفهوم السيارات الخاصة ووسائل النقل المملوكة من قبل الأفراد. ففي عالمنا الجديد الذي نعيشه اليوم، لا ينصب التركيز فقط على حلول التنقل الجديدة، والتي تشمل السيارات الكهربائية والدراجات البخارية الكهربائية وسيارات الأجرة الطائرة، ولكن أيضاً على سلوكيات التنقل الجديدة، وأبرزها التنقل المشترك، وهو قطاع من المتوقع أن يدر ما يصل إلى تريليون دولار أمريكي  من الإنفاق الاستهلاكي بحلول عام 2030.[3]

فما المقصود بالتنقل المشترك؟

يُعرّف التنقل المشترك بأنه الاستخدام المشترك لمركبة أو دراجة نارية أو سكوتر أو دراجة أو أي وسيلة أخرى للتنقل، مما يوفر للمستخدم سبيل قصير الأجل للتنقل – عند الطلب. وتعد نقطة “عند الطلب” جد مهمة. فخلاف ذلك، لن يكون الأمر مختلفاً عن استخدام الحافلات العامة أو وسائل النقل العام الأخرى. فالأمر يشبه امتلاك  عدد قليل من الأشخاص الآن أقراص دي في دي أو الأقراص المضغوطة في مقابل الكثيرون الذين لديهم اشتراكات شهرية. فبالمثل، بدأ المستهلك يتخلى عن فكرة ملكية السيارة الفردية وراح يفكر في بدائل أكثر استدامة. وقد أوضحت إحدى الدراسات التي أجرتها ماكينزي للاستشارات[4] أن نمو التنقل المشترك: يقوم على ثلاثة اتجاهات رئيسة وهي:

  • التخلي عن فكرة الاستخدام الفردي للمركبات والتحول نحو تشارك المركبات
  • التخلي عن فكرة القيادة بنفسك
  • والتحول إلى المركبات الأصغر – التنقل المصغر.

ما هو ملك  لك… هو أيضا ملك لي

لم يعد امتلاك سيارة في المدينة أمراً يروق للكثيرين. فالنمو الحضري يتسارع، مخلفاً تحديات عظمى تتعلق بالازدحام و تباطؤ الحركة المرورية في المدن. ومع تباطؤ حركة المرور، تتزايد تكاليف امتلاك السيارات وقيادتها – ويرجع ذلك في الغالب إلى ارتفاع تكلفة النفط وما تفرضه الحكومات من ضرائب على الوقود. وقد كشف أحد البحوث الذي نشر في مؤشر توم توم للحركة المرورية في عام 2022[5] أن متوسط إنفاق السائقين في جميع أنحاء العالم لتعبئة خزانات الوقود الخاصة بهم قد ازداد بمعدل 27 % مقارنة بعام 2021، بينما ازداد إنفاق من يقودون سيارات الديزل بنسبة 48٪ في عام 2022 مقارنة بالعام السابق.

ولعل ذلك يقدم لنا سبباً آخر يدفعنا لتشجيع تشارك المركبات. فالأمر سيروق للراكب لأنه أقل تكلفة – فهو يتقاسم التكلفة مع راكب آخر – كما أن تشارك المركبات يوفر وسيلة مريحة للراكب الذي يحظى بخدمة التنقل من الباب إلى الباب دون الحاجة إلى القيادة بنفسه. في الوقت نفسه، تبذل المدن جهوداً مضنية لتثبيط استخدام المركبات الخاصة. ويكون ذلك من خلال سن اللوائح واتخاذ الإجراءات الصارمة. ويشمل ذلك تخصيص مناطق خالية من السيارات، وفرض رسوم لدخول السيارات إلى المدينة، وتقنين توافر مواقف السيارات، وزيادة تكلفة استخدام هذه المواقف متى توافرت. وبالطبع كل هذه التدابير من شأنها التشجيع على التحول إلى فكرة التنقل المشترك.

ومن أبرز صور هذا التوجه اليوم مشاركة السيارات من نظير إلى نظير (P2P) ، حيث يسمح مالك السيارة للآخرين باستخدام سياراته مقابل رسوم. كان ذلك يحدث فيما مضى، ولكن في نطاق من يعرفهم مالك السيارة. ولكن الآن، ومع ظهور الشبكات الاجتماعية وتكنولوجيا الهواتف الذكية، قد يشهد الأمر نمواً هائلاً[6]. فقد ارتفع عدد تلك المركبات على مستوى العالم من حوالي 200,000 في عام 2015 إلى أكثر من 440,000 في عام 2020، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2025، ليصل إلى ما يقرب من 990,000 مركبة. ووفقاً لأحد البحوث الذي أجرته شركةAccenture ،[7] من المتوقع أن يشهد سوق مشاركة السيارات من نظير إلى نظير (P2P)  معدل نمو يصل إلى 21 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 في الصين والولايات المتحدة وألمانيا فقط.

مصنعو المعدات الأصلية ينتبهون إلى الفرص

وسريعاً ما تنبه مصنعو المعدات الأصلية للسيارات إلى الفرص المحتملة التي يحملها التنقل المشترك في طياته. فقد حاول الكثيرون منهم دخول السوق بطرائق مختلفة، إما عن طريق الاستثمار في الأنواع الجديدة أو إطلاق مشروعات التنقل المشترك الخاصة بهم.  فها هو شير ناو ShareNow ، وهو المشروع المشترك الذي خرج نتاجاً عن تعاون كار تو جو car2go  التابع لشركة ديملر Daimler  ودرايف ناو DriveNow التابع لشركة بي ام دبليو BMW. وفي الوقت الحالي، يمثل شير ناو أحد أكبر شركات التنقل المشترك في العالم، فلديه أكثر من 4 ملايين عضو مسجل وأسطول يضم أكثر من 14,000 سيارة تنطلق في 18 مدينة في جميع أنحاء أوروبا[8].

وفي عام 2016، أطلقت جنرال موتورز العلامة التجارية مافينMaven ، والتي توفر خدمة مشاركة السيارات وتأجيرها من نظير إلى نظير. وفي العام نفسه، استحوذت شركة فورد  Fordعلى تشاريوت Chariot، وهي خدمة تشمل حافلات صغيرة مشتركة، وأطلقت فولكس فاجنMOIA ، والتي يعمل لديها 1300 شخصاً ينصب تركيزهم على تطوير خدمات النقل عند الطلب. وفي عام 2019، دمجت بي ام دبليو وديلمر أعمال التنقل الخاصة بهما في مشروع مشترك انطلق تحت اسم فري ناو Free Now ، بينما أطلقت تويوتا  منصتها الخاصة بمشاركة السيارات والتخطيط للتنقل والمعروفة باسم كينتو Kinto، والتي توسعت منذ ذلك الحين لتشمل 14 دولة أوروبية.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض مشروعات التنقل المشتركة قد تعثرت واخفقت. لكن MOIA  استطاعات أن تحقق نجاحاً ملحوظاً، فهي تقوم بتشغيل أنظمة التشارك في المركبة في هامبورج وهانوفر، ولدى كينتو  Kinto عدد من الخطط لإضافة أكثر من 30 دولة إلى شبكتها[1].

راكب لا قائد للسيارة

وثمة نقطة أخرى ينبغي علينا ملاحظتها وهي ظهور إصدارات القرن الحادي والعشرين من سيارات الأجرة، والتي يختار مستخدمها أن يكون راكب لا قائد للسيارة. وقد يكشف ذلك بشكل عام عن رغبة هذا المستهلك في تجنب متاعب امتلاك سيارة .

وتتمثل الصورة الأبرز لذلك في المركبات التي يتم طلبها الكترونياً، حيث تقوم بطلب سيارة لتأخذك إلى وجهتك باستخدام احد تطبيقات هاتفك المحمول – مثل تطبيق كريم  Careem ،  الذي وقعت معه شركة عبد اللطيف جميل للتمويل في المملكة العربية السعودية شراكة تعاون  في مارس 2023. وثمة شكل آخر لهذا التوجه يتمثل في مشاركة المركبات، حيث تطلب السيارة ولكن تشاركها مع ركاب آخرين تقع وجهتهم في طريقك فيركبون معك وينزلون في الطريق وهو ما يسهم في خفض التكلفة.

على اليسار، أحمد عرابي، المدير العام لشركة كريم في المملكة العربية السعودية، وعلى اليمين، د. خالد الكريمي، المدير التنفيذي لشركة عبد اللطيف جميل للتمويل أثناء توقيع برنامج التمويل الجديد الخاص بكباتن كريم في مارس 2023

ومن جانبهم، سارع مصنعو السيارات أيضاً إلى دراسة التغييرات المحتملة التي تطرأ على أسواقهم وبادروا بالاستثمار. ففي عام 2016، على سبيل المثال، استثمرت جنرال موتورز 500 مليون دولار أمريكي في منصة مشاركة الركوب الأمريكيةLyft ، كما وضعت فولكس فاجن 300 مليون دولار أمريكي في تطبيق  Gett ، وهو التطبيق الأوروبي الخاص بطلب سيارات الأجرة[10]. في الوقت نفسه، استثمرت شركة تويوتا، وهي الشريك طويل الأجل لعبد اللطيف جميل، في أوبر وديدي وجراب، والاخيرة شركة سنغافورية للتوصيل بالسيارات كانت مدعومة أيضاً من قبل هوندا اليابانية وهيونداي الكورية الجنوبية[11].

ويؤكد خبراء ماكينزي McKinsey [12] أن المستهلكون قاموا بأكثر من 15 مليار رحلة تنقل خلال عام 2022 باستخدام التطبيقات الالكترونية، وهو ما ساهم في تحقيق عائدات وصلت إلى 165 مليار دولار أمريكي. وبحلول عام 2028 ، من المنتظر أن يرتفع إجمالي إيرادات التنقل عن طريق الطلب الالكتروني إلى 273 مليار دولار أمريكي.[13]

مصدر الصورة: جوبي افيشين

وثمة صورة أخرى للتنقل الذي يتم طلبه عن طريق التطبيقات الالكترونية يلوح في الأفق. ونعني هنا مركبات الأجرة الطائرة flying taxis، التي تعمل إما بالكهرباء أو بالطاقة المتجددة، وتنقلك جوا بين محطات مخصصة. وقد تكون هذه المركبات ذاتية القيادة أو قد يتولى طيار قيادتها. و قد استطاعت شركة عبد اللطيف جميل أن تحقق تواجداً فعلياً في هذا السوق، بعد أن ضخت استثمارات في مركبات الأجرة الكهربائية الثورية التي اطلقتها شركة جوبي افيشين والتي يقع مقرها في كاليفورنيا، والتي يمكن أن تطير بسرعة 200 ميل في الساعة وتقطع 150 ميلاً بشحنة واحدة. وكان ذلك من خلال شركة جميل لإدارة الاستثمار (JIMCO) [14]. وتأتي استثمارات شركة جميل لإدارة الاستثمار مع تويوتا متماشية مع استراتيجية عبد اللطيف جميل للاستثمار في مستقبل تنقل أكثر استدامة.

ويتوقع بوني سيمي، رئيس العمليات الجوية والأفراد في جوبي افيشين، أن تصبح شركته أكبر شركة طيران في عالم التنقل بحلول عام [15]2030. فالشركة لديها رؤية مستقبلية تحل فيها مشاركة الرحلات الجوية محل التنقلات الطويلة وتسمح بالسفر السريع والسهل للأغراض الشخصية وكذا لأغراض الطوارئ. والشركة في البداية ترى أن اعتماد التنقل الجوي المتقدم  سيكون في المراكز الحضرية الكبيرة الذي يمثل فيها الازدحام مشكلة حقيقية. ومع ازدياد كثافة المدن وزيادة ازدحام الطرق، من المنتظر أن يكون التنقل الجوي المتقدم أكثر قدرة على دعم احتياجات النقل وربط المناطق الحضرية الكبيرة ببعضها البعض. وفي نهاية المطاف، سيسهم التنقل الجوي المتقدم  في نقل الركاب من المناطق الريفية إلى المدن.

الإنطلاق نحو التنقل المصغر

لقد تناولنا التنقل المصغر من قبل في أحد مقالات وجهة نظر التي تصدر عن عبد اللطيف جميل. استطاع هذا النوع من التنقل، والذي يشمل المركبات الخفيفة جداً مثل الدراجات البخارية والسكوتر والدراجات والدراجات الكهربائية أن يتنامى سريعا. وحوالي 70٪ من المستهلكين على استعداد لاستخدام المركبات الصغيرة في التنقل.[16]

لا عجب في ذلك. فالرحلات الحضرية غالباً ما تكون قصيرة جداً ومناسبة تماماً للخيارات الذي يوفرها التنقل المصغر. وقد أوضح أحد البحوث الذي أجرتها شركة اينريكس INRIX المتخصصة في مجال بيانات حركة المرور أن خمس رحلات المركبات في المدن البريطانية والأمريكية الكبيرة لم تتجاوز الميل الواحد، بينما كانت نصف رحلات المركبات في المدن في أمريكا، والثلثين في بريطانيا، أقصر من ثلاثة أميال[17]. ووفقاً لتقرير أداء المرور العالمي الصادر عن اينريكس في عام 2022[18]،  ظلت لندن تمثل المنطقة الحضرية الأكثر ازدحاماً خلال عام 2022، مسجلة 156 ساعة من التأخير لكل سائق، وهو ما يمثل زيادة تقدر بـ 5٪ مقارنة بعام 2021. واحتلت المرتبة الثانية في تقرير اينريكس مدينة شيكاغو ( 155 ساعة بزيادة 49%) وبوسطن (134 ساعة بزيادة 72٪) وتورنتو (118 ساعة بزيادة 59٪) .

لا عجب إذن في ملاحظة التحول السريع نحو التنقل المصغر المشترك. ففي حين لم يكن لمشاركة السكوتر الكهربائي دوراً رئيساً قبل عام 2017، فقد تسارعت وتيرتها لترتفع من أقل من مليون رحلة في عام 2017 وتسجل أكثر من 160 مليون رحلة في عام 2019. وتتوقع ماكينزي أن يصل إجمالي إنفاق المستهلكين على التنقل المصغر إلى 300 مليار دولار أمريكي و 500 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم بحلول عام 2030.[19]

في بداية الأمر، ظن العديد من القائمين على هذه الصناعة أن الزيادة في عدد مستخدمي التنقل المصغر خلال السنوات الأخيرة جاءت مدفوعة بجائحة كوفيد، فالدراجات البخارية والدراجات الكهربائية كانت توفر وسيلة للتنقل في المدن تجنب مستخدميها التعرض لمخاطرة العدوى أو التواجد في وسائل النقل العام المزدحمة. لكن شعبية هذه الوسائل استمرت وتنامت بعد الوباء، وهو ما يؤكد أن المستخدمين يرون قيمة في التنقل المشترك. فلا توجد تكاليف باهظة، ولا داعي للقلق بشأن سرقة سيارتك ولا حاجة إلى الاختيار بين الأقفال والسلاسل التي تزن وتكلف ما يقرب من تكلفة السيارة نفسها.

ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، توضح لنا الأرقام الأخيرة أن ثمة طلباً قوياً على الدراجات المؤجرة، حيث يمكنك أخذ دراجة من محطة للدراجات وتركها في مكان آخر بالقرب من وجهتك. وقد اظهر تحليل اتجاهات الاستخدام لعامي 2020 و 2021 والصادر عن  الرابطة الوطنية لمسؤولي النقل بالمدينة[20] أن عدد رحلات التنقل المصغر في الولايات المتحدة قد تضاعف تقريباً في عام 2021 ليصل إلى 112 مليوناً.

وفي عام 2021 ، شهد توجه مشاركة الدراجات في شيكاغو ونيويورك وفيلادلفيا مستويات قياسية، وارتفع عدد مستخدمي الخدمة في جميع أنحاء البلاد بنسبة 18٪ مقارنة بعام 2019. ويرتبط تحقيق النمو في هذا السوق بعنصر الأمان. وتذهب سامانثا هير، رئيسة جمعية أمريكا الشمالية للدراجات النارية ومشاركة الدراجات إلى أن الشيء الأهم الذي يتعين على المدن القيام به لتشجيع التنقل المصغر المشترك هو وضع البنية التحتية المناسبة: ف”تخصيص أماكن آمنة ومتصلة لركوب مستخدمي الخدمة، مثل شبكات ممرات الدراجات الآمنة، يعد أمرا مهما للغاية لتحفيز استخدام التنقل المصغر “.[21]

سلبيات امتلاك سيارة خاصة

تواجه العلاقة طويلة الأمد التي تجمع بين حيازة الثروة وملكية السيارات تهديدات عدة بسبب الصعوبات والتحديات الجلية والمتزايدة التي ينطوي عليها امتلاك وسيلة تنقل شخصية. ففي الماضي، كلما أصبح المجتمع أكثر ثراءً، ازداد عدد ملاك السيارات. ولكن زيادة عدد السيارات يعني المزيد من الكثافات المرورية والمزيد من الحوادث والمزيد من الانبعاثات. وفي عصر تنامي فيه الوعي الصحي والبيئي، يعد ذلك جانباً سلبياً هائلاً بالنسبة للمدن وسكانها والقائمين على ادراتها.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية[22]، تعد حوادث السيارات ثامن أكبر سبب لوفاة الأشخاص من جميع الأعمار، والسبب الرئيس لوفاة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 29 عاماً في جميع أنحاء العالم. إذ يموت ما لا يقل عن 1.3 مليون شخص في حوادث السيارات كل عام ، ويتعرض 20 إلى 50 مليون شخص آخر للاصابات. من ناحية أخرى، تعتبر نوعية الهواء الرديئة التي تنتج عن حركة المرور من العوامل التي تسهم في زيادة خطر الإصابة بالذبحة الصدرية[23]. وفي المملكة المتحدة وحدها، يرتبط ما يصل إلى 36,000 حالة وفاة سنويًا بتلوث الهواء.[24]

ولا تقتصر المعاناة على السكان والسائقين وحسب. فالبيئة تئن هي الأخرى. إذ تمثل انبعاثات العوادم التي تأتي من السيارات والشاحنات وغيرها من المركبات الأخرى التي تسير على الطرق حوالي 75٪ من الانبعاثات الناتجة عن التنقل، أي ما يقرب من ستة جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً – وهو ما يمثل حوالي 15٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية[25]. ولعل التخلص من تلك الانبعاثات من شأنه أن يسهم في قطع شوط طويل فيما يتعلق بتحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في خفض انبعاثات الكربون  والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام  2050.

لقد وقع العالم في حب السيارات لأنها وعدتنا – نحن المستهلكين – بالراحة والرقي والحرية. ولكن بالنسبة لسكان المدن على الأقل، أضحى هذا الوعد زائفاً ومخالفاً للواقع . ففي لندن، على سبيل المثال، يستطيع راكب الدراجة العادي تجاوز متوسط ساعة الذروة البالغ 9 أميال في الساعة فقط[26]. على الرغم من كل ذلك، فإن التوجه العالمي يتجه نحو العيش في المدن. ففي الوقت الحالي، يعيش 56٪ من سكان العالم –  أي حوالي 4.4 مليار نسمة – في المدن. ومن المنتظر أن يتجاوز عدد سكان الحضر ضعف حجمه الحالي بحلول عام 2050، وعند هذه النقطة سيعيش ما يقرب من سبعة من كل 10 أشخاص في المدن.[27]

لقد بدأت هذه التحديات والمعوقات التي ترتبط بامتلاك السيارات وقيادتها في المناطق الحضرية تلقي بظلالها على مبيعات السيارات. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تراجع الاقبال على امتلاك السيارات للعام الثاني على التوالي – لأول مرة منذ أكثر من قرن.[28]

لقد اصبحت فكرة امتلاك السيارة باعتبارها من وسائل تحقيق الحرية الفردية أمراً من الماضي. ويحمل ذلك في طياته أصداء وجهة نظر بالارد عن السيارات، والتي كانت تعتبر غريبة في ذلك الحين، لكنها اصبحت الآن متناغمة مع التفكير الحديث.

في سبعينيات القرن الماضي، انتقد بالارد عالماً، “يقوم بين الحين والآخر بإقامة سباقات لقائدي السيارات المخضرمين في مناطق المشاة التي تخلو من حركة المرور في المدن الكبرى كجزء من مهرجان أو احتفالية. ولكن في مثل هذه الفاعليات لا تملك سوى أن تنزعج من ثلاثة أشياء لم تعتداها: رائحة العادم والضوضاء والازدحام “.

لا شك أن التنقل المشترك يعد أحد الأدوات التي يمكن أن تجعل رؤية بالارد الرافضة للاختناقات المرورية تتحول إلى واقع ملموس. فبإمكان التنقل المشترك أن يعيد تشكيل رؤيتنا عن التنقل، وأن يحد من تأثيره على البيئة وأن يعيد رسم ملامح مدننا. وبينما تظل كيفية تشغيل سوق التنقل المشترك خلال السنوات القليلة المقبلة ضبابية إلى حد كبير، يمكن للحكومات ومصنعي السيارات ومقدمي خدمات التنقل – وقبل كل شيء – المستهلكين أن يلعبوا أدواراً مهمة فيما يتعلق بدفعنا جميعاً نحو مستقبل أكثر اهتماماً بالبيئة وأكثر استدامة من خلال تحفيز روح التعاون والشراكة والالتزام.

Jameel Motors
Jameel Motors
الهيدروجين يعود من جديد
حاشية

[1] https://www.jgballard.ca/deep_ends/drive_mag_article.html

[2] https://www.jgballard.ca/deep_ends/drive_mag_article.html

[3] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/shared-mobility-sustainable-cities-shared-destinies

[4] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/shared-mobility-sustainable-cities-shared-destinies

[5] https://www.tomtom.com/newsroom/press-releases/general/260960154/the-cost-of-driving-has-reached-new-highs-around-the-world/

[6] https://www.automotiveworld.com/articles/peer-to-peer-car-sharing-is-here-to-stay/

[7] https://www.accenture.com/us-en/insights/automotive/mobility-x

[8] https://www.ft.com/content/f19214e0-33bc-11ea-9703-eea0cae3f0de

[9] https://www.kinto-mobility.eu/eu/en

[10] https://www.economist.com/business/2021/04/15/new-means-of-getting-from-a-to-b-are-disrupting-carmaking

[11] https://www.reuters.com/article/us-grab-toyota-investment-idINKBN1J907E

[12] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/shared-mobility-sustainable-cities-shared-destinies

[13] https://www.mordorintelligence.com/industry-reports/ride-hailing-market

[14] https://alj.com/en/news/abdul-latif-jameel-invests-in-joby-aviation/

[15] https://www.mckinsey.com/industries/aerospace-and-defense/our-insights/Rideshares-in-the-sky-by-2024-Joby-Aviation-bets-big-on-air-taxis

[16] Mobility Ownership Consumer Survey, McKinsey Center for Future Mobility, July 2021.

[17] https://www.economist.com/the-world-ahead/2020/11/17/the-pandemic-is-changing-urban-transport-patterns

[18] https://inrix.com/blog/2022-traffic-scorecard/

[19] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/shared-mobility-where-it-stands-where-its-headed

[20] https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-12-01/as-pandemic-wanes-bikeshare-and-e-scooter-rides-keep-rising?sref=YMVUXTCK

[21] https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-10-04/when-public-transit-stumbles-bikesharing-can-step-up

[22] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/road-traffic-injuries

[23] https://www.bhf.org.uk/informationsupport/risk-factors/air-pollution

[24] https://www.newscientist.com/article/2263165-landmark-ruling-says-air-pollution-contributed-to-death-of-9-year-old/

[25] h https://www.mckinsey.com/capabilities/sustainability/our-insights/spotting-green-business-opportunities-in-a-surging-net-zero-world

[26] https://www.tomtom.com/newsroom/press-releases/general/260960154/the-cost-of-driving-has-reached-new-highs-around-the-world/

[27] https://www.worldbank.org/en/topic/urbandevelopment/overview

[28] https://autovista24.autovistagroup.com/news/uk-sees-car-ownership-decline-again-as-evs-yet-to-take-significant-share/