أحلام كهربائية؟
كانت الظواهر الجوية العالمية المتطرفة على مدار الاثني عشر شهراً الماضية بمثابة جرس إنذار مدوي لتذكيرنا بأزمة المناخ التي تواجه كوكبنا، والحاجة الملحة للانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية.
وقد تم التأكيد على هذا التحدي في مارس 2023، عندما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن “معدل ارتفاع درجات الحرارة في نصف القرن الماضي هو الأعلى منذ ألفيّ عام، إذ بلغت تركيزات ثاني أكسيد الكربون أعلى مستوياتها منذ مليوني سنة على الأقل. وهذا لا يعني سوى أن القنبلة المناخية الموقوتة تتجه نحو الانفجار.” [1]
كان ذلك في معرض تعليق غوتيريش على التقرير التوليفي السادس الصادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، والذي وصفه بأنه “دليل نجاة للبشرية“.
وخلص التقرير إلى أنه بعد خمس سنوات من قيام الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بتسليط الضوء على حجم التحدي الذي يواجه المجتمع البشري للتحكم في درجات الحرارة العالمية، “أصبح هذا التحدي أكبر بسبب الزيادة المستمرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري”. وفي هذا الصدد، يعوّل الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ على قطاع النقل – إلى جانب قطاع الأغذية والصناعة والمباني واستخدام الأراضي – باعتباره أحد القطاعات الرئيسية التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ولكن، هل بوسعنا بناء مستقبل كهربائي؟
ثمة العديد من البدائل المحتملة لوسائل النقل التقليدية ذات الانبعاثات الكثيفة التي تعتمد بالأساس على محركات الاحتراق الداخلي المسيّرة بالبنزين أو الديزل، وتشمل هذه البدائل المركبات المسيّرة بالهيدروجين والوقود الحيوي المستدام. لكن مساهمة هاتان التقنيتان تبدو ضئيلة في ظل النمو الأخير في كل من الطرازات المتاحة وإقبال المستهلكين على تكنولوجيا السيارات الكهربائية، بما في ذلك السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات فقط، والسيارات الكهربائية الهجينة، والسيارات الهجينة “الشقيقة”، التي تجمع بين الطاقة الكهربائية ومحرك الاحتراق الداخلي.
وإذا ما طالعنا الإحصائيات وحدها، فسنجد أن النمو في المركبات الكهربائية مثير للإعجاب بلا شك. وقد أشار تقرير صادر عن مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب الاستشارية في يونيو 2022، أن العام السابق كان “استثنائياً بالنسبة للمركبات الكهربائية، بما في ذلك السيارات الهجينة”. وقد شكلت هذه المركبات خُمس إجمالي إنتاج السيارات الخفيفة في عام 2021، بزيادة قدرها 12% عن العام السابق. وفي ذات الوقت، انخفضت نسبة السيارات المسيّرة بالبنزين والديزل بمعدل تسع نقاط مئوية. [2]
وأشارت بوسطن كونسلتينج جروب في تقريرها أيضاً إلى أن أهداف الانبعاثات الصارمة التي حددتها الجهات التنظيمية، إلى جانب تزايد خيارات المركبات الكهربائية الجديدة، “تعمل معاً على زيادة الزخم في السوق العالمية للمركبات الكهربائية”. كما حظر الاتحاد الأوروبي مبيعات السيارات الجديدة المسيّرة بالبنزين والديزل اعتباراً من عام 2025، في حين وافق عدد من الولايات الأمريكية على فرض حصص خالية من الانبعاثات لسيارات الركاب الجديدة. وفي الإمارات العربية المتحدة، تهدف الحكومة إلى أن تكون 50% من السيارات على الطرقات كهربائية بحلول عام 2050[1] ، فيما تهدف المملكة العربية السعودية إلى أن تكون 30% من سيارات الرياض كهربائية بحلول عام 2030.
ولا عجب في وسط هذه الحوافز أن نرى شركات تصنيع السيارات الكبرى تظهر حرصاً بالغاً على الاستفادة من سوق المركبات الكهربائية المزدهرة، ولكل منها استراتيجياتها الطموحة للتوسع في هذا المجال المتنامي بقوة. ولنا أن نعرف أن شركة جنرال موتورز الأمريكية تخطط للتحول إلى المركبات الكهربائية بالكامل بحلول عام 2035. كما حددت شركة فورد موتور هدف مماثل لذراعها الأوروبي، فورد أوروبا، بحلول عام 2030. وفي جميع أنحاء العالم، يتوقع الخبراء أن يسهم انخفاض التكلفة وتحسن التكنولوجيا وتوسيع نطاق الخيارات في أن تصبح المركبات الكهربائية خياراً مناسباً للمستهلكين بشكل متزايد على مدى السنوات القليلة المقبلة.
وبالنظر إلى هذه التطورات، يبدي المحللون توقعات متفائلة بشأن زيادة الإقبال على المركبات الكهربائية في المستقبل، إذ يتوقع خبراء مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب أن تصبح المركبات الكهربائية الخفيفة أكثر شعبية وأعلى مبيعاً على مستوى العالم في عام 2028 – أي قبل ثلاث سنوات من توقعاتها في تقرير سابق صدر في عام 2021. وتتوقع ذات المجموعة الاستشارية أن تفوق المبيعات العالمية لهذه المركبات الكهربائية الخفيفة مبيعات السيارات المسيّرة بالبنزين والديزل بحلول نهاية العقد.
وبالمثل، تتوقع شركة ماكنزي أن ينمو الطلب العالمي على المركبات الكهربائية بنحو ستة أضعاف بين عامي 2021 و2030، وهو ما يعني ارتفاع مبيعات الوحدات السنوية من 6.5 مليون وحدة إلى حوالي 40 مليون وحدة. ويرى الخبراء أن القبول الجماهيري العام للمركبات الكهربائية – الذي كان غير مؤكد في السابق- قد وصل إلى نقطة تحوّل وسيستمر في النمو مع سعي المستهلكين إلى خيارات نقل أكثر اقتصادية ومراعاة للبيئة. [4]
ويبدو أن الزخم الكامن وراء نمو المركبات الكهربائية، في ظاهره على الأقل، لا يمكن إيقافه إلى حد ما. ولكن هل لهذه الضجة ما يبررها أم أن هناك عقبات كثيرة أمامنا على طول الطريق المؤدي إلى مستقبل السيارات الكهربائية؟
من المحركات إلى التنقل
يرى كوجي ساتو، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة تويوتا موتور كوربوريشن، الشريك الوثيق لشركة جميل للسيارات منذ أكثر من 65 عاماً، أن موقف المستهلكين يشهد تغيراً جذرياً تجاه المركبات الكهربائية. وفي أبريل 2023، قال ساتو: “نهدف إلى تحويل شركتنا إلى شركة تنقل [5]، وسيتطلب ذلك التركيز على تحقيق الحياد الكربوني – الذي تخطط تويوتا للوصول إليه عبر دورة حياة سياراتها بحلول عام 2050″. وتعتزم الشركة القيام بذلك من خلال زيادة مبيعات السيارات الهجينة، بالإضافة إلى الاستثمار في الجيل التالي من السيارات الكهربائية الهجينة والتطلع إلى ما تسميه “مجتمع الهيدروجين”.
وأشار ساتو إلى أن رؤية تويوتا تتضمن أيضاً تركيزاً أوسع على توسيع قيمة التنقل، موضحاً أن “سيارات المستقبل ستصبح أكثر ارتباطاً بالمجتمع عندما تصبح كهربائية وأكثر ذكاءً وتنوعاً”.
وتؤكد هذه النظرة الطموحة على تغيّر مواقفنا تجاه التنقل بشكل عام، ولا سيما التنقل الكهربائي الذي لم يعد يتعلق فقط بالسيارات. وتوقع تقرير ماكنزي العام الماضي أنه بحلول عام 2035، ستكون غالبية الشاحنات الجديدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين كهربائية[1]. كما أن كهربة وسائل النقل العام مثل الحافلات تتقدم بالفعل بسرعة. وبحسب إحصاءات المجلس الدولي للنقل النظيف (ICCT )، وهو منظمة غير ربحية، تجاوزت مبيعات الحافلات الهجينة والحافلات المسيّرة بالبطاريات الكهربائية في أوروبا نسبة نظيراتها التي تعمل بالديزل لأول مرة هذا العام [7]، وهو اتجاه يُعزى إلى تنامي الطلب في السوق.
وعلاوة على ذلك، يشير تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة (IEA) في عام 2023 إلى أن المركبات ثنائية وثلاثية العجلات هي الأكثر هيمنة على سوق المركبات اليوم، إلى حد أنها تفوق عدد السيارات التقليدية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية مثل الهند. وحتى أن أكثر من نصف مبيعات المركبات ثلاثية العجلات في البلاد في عام 2022 كان لصالح المركبات الكهربائية.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة إن التوسع في وسائل النقل الكهربائية الخفيفة من هذا القبيل “أمر مهم لدعم التنمية المستدامة”، نظراً لانخفاض تكلفتها وبالتالي سهولة اقتنائها.
وبصرف النظر عن وسائل النقل، تشير تعليقات ساتو أيضاً إلى أن التطورات في السيارات الكهربائية سيواكبها تطورات موازية في التقنيات ذات الصلة مثل الأتمتة والبيانات والاتصالات والذكاء الاصطناعي. وثمة فرص مثيرة لأن تجتمع هذه المساعي معاً لصياغة رؤية شاملة للتنقل المستقبلي.
وهذا لا يعني بالضرورة نهاية السيارات، التي تُعد حالياً عنصراً أساسياً في مجال التنقل الكهربائي. لكن الرؤية تشمل أيضاً وسائط النقل الأخرى، وربط كل هذه الوسائط بأنظمة ذكية أوسع نطاقاً. وانطلاقاً من هذه الروح، يعتقد ساتو أن “التنقل يكمن وراء مستقبل السيارات“، وأن رؤية تويوتا تتمثل في “قيادة مجتمع التنقل المستقبلي، وإثراء الحياة في جميع أنحاء العالم بأكثر الطرق أماناً ومسؤولية لنقل الناس“.
ولكن ماذا عن العقبات الكامنة في الطريق؟
ومع ذلك، من الواضح أن هناك جوانب رئيسية علينا مراعاتها قبل أن نصل إلى هذا المستقبل الموعود. فعلى الرغم من أن السيارات الكهربائية تبدو من الخارج مشابهة لنظيراتها من السيارات المسيّرة بالوقود العادي، إلا أن طريقة تصنيعها والتكنولوجيا التي تستخدمها والبنية التحتية التي تتطلبها تختلف اختلافاً جذرياً. وهذه الفروق والاختلافات هي التي من المرجح أن تخلق بعض التحديات في رحلتنا إلى مستقبل المركبات الكهربائية.
بعبارات بسيطة، تعتمد السيارة الكهربائية على بطارية كهربائية تعمل على تشغيل محرك كهربائي لتدوير العجلات. وفي حالة السيارة الكهربائية المعتمدة على البطارية وحدها (BEV)، سيتعين إعادة شحن البطارية بشكل دوري عن طريق توصيل السيارة بشاحن. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمركبات الكهربائية أيضاً التقاط الطاقة الحركية المتولدة عند التوقف وتحويلها إلى كهرباء، من خلال آلية تُعرف باسم «توليد الطاقة بالكبح [8]».
وتبدو الصورة أكثر تعقيداً مع المركبات الهجينة، التي يوجد منها نوعان رئيسيان. تحتوي السيارة الكهربائية الهجينة القابلة للشحن (PHEV) – مثل سيارة تويوتا بريوس الرائدة – على بطارية كهربائية قابلة لإعادة الشحن، ولكنها مزودة أيضاً بمحرك احتراق داخلي يمكن للسيارة التبديل إليه حال نفاذ شحنها. وعلى النقيض من ذلك، تعمل السيارة الكهربائية الهجينة (HEV) بشكل أساسي باستخدام محرك احتراق داخلي، ولكنها تحتوي أيضاً على بطارية كهربائية تعمل بتقنية «توليد الطاقة بالكبح».
ومن البديهي أن تختلف الأجزاء الداخلية لكل نوع من أنواع هذه المركبات. فإلى جانب البطارية والمحرك الكهربائي، ستحتوي السيارة الكهربائية بالكامل على شاحن مدمج يحول التيار المتردد من التيار الكهربائي الرئيسي إلى تيار مباشر لشحن البطارية. وتتضمن الأجزاء الأخرى نظام تبريد حراري للحفاظ على درجة حرارة التشغيل المناسبة للمكونات، ومحول تيار مستمر لتحويل طاقة التيار المستمر إلى جهد كهربائي أقل عند الحاجة.
وتشتمل السيارات الهجينة القابلة للشحن على نفس هذه المكونات إلى جانب الأجزاء النموذجية للسيارة التقليدية مثل محرك الاحتراق الداخلي وخزان الوقود ونظام العادم. وفي الوقت نفسه، تشتمل السيارات الكهربائية الهجينة على المكونات التقليدية للسيارات المسيّرة بمحركات الاحتراق الداخلي إلى جانب بعض أجزاء السيارة الكهربائية – ولكن ليس تلك المعنية بالشحن الخارجي (مثل الشاحن المدمج الذي يحول التيار المتردد إلى تيار مستمر).
وسواء تم النظر إليها من منظور السائقين أو من منظور المجتمع ككل، فإن السيارات الكهربائية وسيارات الاحتراق الداخلي والسيارات الهجينة لها مزايا مختلفة، بالإضافة إلى عيوب محتملة. ولعل الميزة الأهم هنا هو أن المركبات الكهربائية المسيّرة بالبطارية لا تنتج أية انبعاثات كربونية، مما يوفر مزايا كبيرة لطموحات صافي الانبعاثات الصفرية. ومع ذلك، تشير وزارة الطاقة الأمريكية إلى أن المركبات الكهربائية المسيّرة بالبطاريات عادة ما تكون أكثر تكلفة من المركبات التقليدية والهجينة المماثلة، فضلاً عن قصر مداها بشكل عام. [9] وفي الوقت الحالي، يميل كلا نوعيّ المركبات الهجينة أيضاً إلى أن يكونا أكثر تكلفة من السيارات التقليدية، لكن كلاهما ينتج أيضاً انبعاثات أقل، ويتميز باستهلاك أقل للوقود، ويمكن أن يوفرا خياراً مناسباً للسائقين غير المستعدين للتبديل إلى سيارة كهربائية خالصة.
طريقنا لا يزال محفوفاً بالتحديات
صحيح أن السيارات الكهربائية تبشّر بمستقبل أنظف وأكثر مراعاة للبيئة، ولكن في الوقت الحالي لا تزال هذه الغاية بعيدة المنال، لأسباب ليس أقلها أن جميع البلدان باستثناء القليل منها تعتمد حالياً على الوقود الأحفوري في توليد ما يزيد عن نصف احتياجاتها من الكهرباء [10]. لذلك على المدى القصير، من المحتمل أن يؤدي وجود المزيد من المركبات الكهربائية على طرقاتنا إلى زيادة انبعاثاتثاني أكسيد الكربون بدلاً من خفضها، إلى أن يتم توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة لتوليد ما يكفي من الطاقة منها.
كما أن العديد من المستهلكين لا يزالون مترددين بشأن السيارات الكهربائية بسبب ارتفاع تكلفة شرائها، إذ يبلغ متوسط تكلفة شراء سيارة كهربائية في المملكة المتحدة أكثر من 60,000 دولار أمريكي [11]، بينما يزيد متوسط تكلفة شراء سيارة كهربائية في الولايات المتحدة بحوالي 12,000 دولار أمريكي عن نظيرتها التي تعمل بالوقود العادي في المتوسط [12]. لكن الأسعار تنخفض. فوفقاً لتحليل مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG)، فإن التكلفة الإجمالية لامتلاك سيارة كهربائية على مدى خمس سنوات في الصين والعديد من الدول الأوروبية هي نفسها بالنسبة لسيارة متوسطة الحجم سواء كانت تعتمد على البطارية أو الوقود العادي، (يأخذ الحساب في الحسبان سعر الشراء وتكاليف الصيانة والأميال المقطوعة بالإضافة إلى تكاليف الوقود والكهرباء). وبالنسبة لمعظم دول العالم، تتجه المركبات الكهربائية نحو التعادل في سعر الشراء مع السيارات التقليدية بحلول عام 2030. [13]
ومن شأن انخفاض تكاليف الملكية أيضاً أن يحفز الطلب من جانب المستهلكين، وذلك بسبب عوامل عدة منها انخفاض أسعار البطاريات وزيادة وفورات الحجم. وتقول مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب أن المصنعين يمكنهم تسويق السيارات الكهربائية بشكل متزايد عن طريق الترويج لمزاياها مثل قدرتها على القطر وانخفاض تكلفة صيانتها- فضلاً عن مزايا إضافية مثل القدرة على استخدام بطارية السيارة الكهربائية كمولد احتياطي للمنازل. [14]
على الرغم من هذه المؤشرات المشجعة، إلا أن هناك عقبات أخرى قد تبطئ من عملية التحوّل إلى السيارات الكهربائية، وأحدها هو القدرة على تلبية الطلب المتزايد بسرعة على البطاريات – والمعادن الأرضية النادرة اللازمة لتصنيعها. وتتوقع شركة ماكينزي أن ينمو الطلب على بطاريات أيونات الليثيوم – وهو النوع المستخدم في معظم السيارات الكهربائية – بنحو 30% سنوياً على مستوى العالم بحلول عام 2030، ويُعزى نحو 90% من هذه الزيادة إلى المركبات الكهربائية. [15]
غير أن هذا الاتجاه له بعض الآثار غير المباشرة المقلقة، مثل الضغط على سلاسل التوريد للمواد الخام المستخدمة في صناعة البطاريات. فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية، شكلت المركبات الكهربائية حوالي 60% من الطلب على الليثيوم في العام الماضي، بالإضافة إلى 30% من الطلب على الكوبالت و10% من الطلب على النيكل. في حين أن هذه النسب كانت قبل خمس سنوات حوالي 15% و10% و2% بالترتيب المتقدم.
وقد ساهم هذا الطلب المتزايد بالفعل في حدوث نقص في الليثيوم. ففي يونيو 2023، نشرت وكالة رويترز تقريراً سلطت فيه الضوء على مخاوف المنتجين من أن التأخير في السماح بالتعدين ونقص القوى العاملة والتضخم قد يقوض قدرتهم على توفير ما يكفي من هذا المعدن للوفاء بالطموحات العالمية لكهربة قطاع التنقل [16]. كما تحذر وكالة الطاقة الدولية من أن تعدين ومعالجة المعادن الحيوية الأخرى سيحتاج أيضاً إلى زيادة سريعة لدعم التحوّل إلى نموذج المركبات الكهربائية وغيرها من تقنيات الطاقة النظيفة. [17]
وتثير زيادة الإقبال على المركبات الكهربائية أيضاً مخاوف بشأن تأثير ذلك على شبكات الطاقة والتحديات التي يجب على محطات التوليد تجاوزها لضمان إمدادات موثوقة وفعالة من الطاقة. وتتزايد حدة هذه المخاوف في الأسواق الناشئة نظراً لتواضع قدرات أنظمة توزيع الطاقة الحالية. على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أنه إذا استبدلت عائلة ما سيارتيّها اللتيّن تعملان بالوقود العادي بمركبتين كهربائيتين، فإن ذلك سيزيد من استهلاكها اليومي للطاقة في المنزل بمعدل يصل إلى 74%!
ولعل تلبية هذه الزيادة في الطلب على الطاقة ليست بالضرورة هي المشكلة الأساسية. فمن الناحية النظرية، تمتلك العديد من الدول ما يكفي من الطاقة الكهربائية لتلبية إجمالي الطلب المستقبلي الناشئ عن المركبات الكهربائية. إلا أن المشكلة الجوهرية تكمن في أن هذه الطاقة ليست جاهزة دائماً للاستخدام عند الحاجة. ففي عالم تغلب عليه اختلالات الشبكة بسبب تذبذب استخدام الكهرباء، فإن آخر ما يحتاجه مشغلو الشبكة هو ملايين من مالكي المركبات الكهربائية الذين سيلجؤون بالطبع إلى شحن مركباتهم من إمدادات الشركة.
وثمة شاغل آخر جوهري يتمثل في البنية التحتية للشحن. فوفقاً لقاعدة بيانات المركبات الكهربائية [18]، يبلغ متوسط مدى السيارة الكهربائية – أي المسافة التي يمكن أن تقطعها قبل أن تحتاج إلى الشحن – 221 ميلاً في الوقت الحالي، حيث يبلغ أقصر مدى أقل من 100 ميل، وأعلاه أكثر من 400 ميل. ولا شك في أن هذه المسافة كافية لتغطية العديد من الرحلات اليومية المعتادة. ولكن شحن المركبات بشكل خاص في المنزل أو أماكن العمل لن يكون متاحاً للجميع. وفي بعض الأحيان، سيرغب الأشخاص أيضاً في القيام برحلات أطول من المدى الذي تقطعه سياراتهم. وفي الوقت الحالي، حتى أسرع محطات الشحن السريع بالتيار المباشر (DCFC) تستغرق ما لا يقل عن 20 دقيقة إلى ساعة واحدة لشحن بطارية مركبة كهربائية بنسبة 80%. [19] وهذا بدوره يعني الانتظار طويلاً لشحن سيارتك في الرحلات الطويلة، ناهيك عن المساحة المطلوبة في محطات الشحن لاستيعاب أكبر عدد من السيارات في وقت واحد. وثمة مشكلة أخرى تتمثل في أن معظم السيارات الكهربائية الهجينة الحالية غير متوافقة مع أنظمة الشحن السريع بالتيار المباشر.
To support wider EV uptake, it’s essential to develop public EV fast-charging networks. But so far, the track record is not promising. BCG warns that insufficient charging infrastructure over the next few years could cause EV adoption to stall in leading markets such as the US.[20] It points to a recent survey which found that concern about a lack of public charging sites is still the leading reason for US consumers to think twice about buying an EV.
استجابات استراتيجية
لتحقيق هدف الحكومة الأمريكية المتمثل في أن يكون نصف سيارات الركاب الجديدة والشاحنات الخفيفة المباعة بحلول عام 2030 خالية من الانبعاثات، تقدر شركة ماكينزي أن البلاد ستحتاج إلى ما يقرب من 20 ضعف عدد محطات الشحن الموجودة حالياً، بما في ذلك 1.2 مليون جهاز شحن عام، في حين أن التكلفة المتوقعة للأجهزة والتخطيط والتركيب لمرافق الشحن العامة هذه تصل إلى أكثر من 35 مليار دولار أمريكي. [21] وقد لا تشكل هذه الأرقام مشكلة في حد ذاتها، لكن تحقيقها سيتطلب تغييراً تدريجياً في وتيرة التقدم في جميع أنحاء العالم.
وبالمثل، تشير شركة ماكنزي إلى أن وضع استراتيجية قوية لشراء المواد الخام يمكن أن يساعد الشركات على إدارة تكاليفها وبالتالي زيادة الإنتاج [22]. وبإمكان مصنعيّ البطاريات النظر في توقيع عقود طويلة الأجل مع شركات التعدين لتوريد المعادن، بما يُسهم في الحد من تأثير تقلبات الأسعار. وتقترح ماكينزي أن تستكشف الشركات الكبرى إمكانية الاستثمار المباشر في استخراج المواد الخام وتكريرها. ويتجلى هذان الاتجاهان في تقرير صادر عن وكالة أسوشييتد برس في يونيو 2023 عن نقص الليثيوم، والذي أشار إلى أن شركة فورد وقعت عقوداً لمدة تصل إلى 11 عاماً مقبلة مع موردي الليثيوم في قارتين. وأضاف التقرير أن جنرال موتورز تستثمر بالفعل ما يصل إلى 650 مليون دولار أمريكي في شركة كندية لتطوير المناجم في نيفادا لإنتاج كميات من الليثيوم تكفي لمليون سيارة سنوياً. [23]
حلول مبتكرة
يمكن للابتكارات في مجال التكنولوجيا والممارسات المبتكرة أن تلعب دوراً مهماً في تجاوز بعض هذه العقبات. فالصين، على سبيل المثال، تعمل على تطوير بطاريات تعتمد على الصوديوم وتوفر بديلاً أرخص من تلك التي تستخدم الليثيوم. ولنا أن نعرف مثلاً أن تكلفة بطارية أيون الصوديوم المطورة في الصين أقل بنسبة 30% من كلفة بطارية فوسفات حديد الليثيوم (نوع من بطاريات أيون الليثيوم). وتقول وكالة الطاقة الدولية إن هناك ما يقرب من 30 مصنعاً لتصنيع بطاريات أيون الصوديوم إما قيد التشغيل أو مخطط لها أو قيد الإنشاء – ولكن جميعها تقريباً في الصين. [24] وتفيد التقارير بأن بعض المصنعين يخططون لاستخدام تقنية بطاريات الصوديوم في السيارات الكهربائية هذا العام. [25]
ويمكن أن تشكل إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية بديلاً آخر. فوفقاً للخبراء في شركة ماكينزي، يتمتع هذا القطاع بإمكانات تهيئ له تحقيق 95 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2040. [26] وفي الواقع، تعتقد الشركة أنه بدون إعادة التدوير، من المرجح أن تظل مشكلة البطاريات تشكل عقبة كبرى في مجال كهربة وسائل النقل بشكل عام.
وهكذا، يمكن أن يؤدي أداء قطاع إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية إما إلى زيادة وتيرة التحوّل إلى المركبات الكهربائية أو توقفها. لكننا نرى الشركات تتسابق فعلياً لتطوير عملياتها وقدراتها. ففي المملكة المتحدة، صرّح أحد مؤسسي شركة ناشئة في هذا المجال أنه بحلول عام 2040 يمكن لصناعة السيارات أن تجني ما يصل إلى 40% من الليثيوم من إعادة التدوير، مشيراً إلى أن “الليثيوم هو المعدن الذي يمكن إعادة تدويره باستمرار إلى الأبد تقريباً”. [27]
بالإضافة إلى ذلك، ثمة اهتمام متزايد بتبديل البطاريات كحل آخر. فبدلاً من شحن السيارة الكهربائية، يقوم المستخدم ببساطة بتبديل بطارية مختلفة ثم إعادة شحن البطارية السابقة خارجياً ثم تبديلها لاحقاً في سيارة أخرى. وقد افتتحت شركة «نيو» (NIO) الصينية المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية أولى محطاتها في أوروبا لتبديل البطاريات، مثل محطة في الدنمارك في وقت سابق من هذا العام – حيث تستغرق العملية حوالي 5 دقائق [28
ومؤخراً، أعلنت «نيو» عن طرح منتج جديد في إطار نموذج «البطارية كخدمة» (BaaS). وتكمن فكرة هذا النموذج في أنه يتيح للعملاء شراء سيارة كهربائية جديدة بدون بطارية ثم الحصول على واحدة مقابل اشتراك في الخدمة برسوم شهرية. ومن شأن هذا الخيار أن يخفض سعر شراء السيارة الجديدة بمقدار 70,000 يوان، أي ما يعادل 10,100 دولار أمريكي تقريباً. وتقول الشركة أن تعميم محطات تبديل البطاريات سيساعد الأشخاص الذين ليس لديهم شاحن منزلي بل ويمكن أن يطيل عمر البطارية من خلال إبطاء وتيرة شحنها.
وبالنسبة للشاحنات، تقول وكالة الطاقة الدولية إن تبديل البطاريات له مزايا كبيرة مقارنة بالشحن فائق السرعة من حيث السرعة وتحسين أداء البطارية. وتضيف أن تبديل البطاريات يوفر مزايا من حيث التكلفة للمركبات ثنائية وثلاثية العجلات. وتكتسب هذه الفرصة زخماً في الهند بشكل خاص، حيث يوجد بالفعل أكثر من 10 شركات مختلفة في السوق [29].
وتسلط مثل هذه التطورات الضوء على الإمكانات الهائلة للتنقل الكهربائي في خلق قيمة اقتصادية واجتماعية مع تقليل انبعاثات الكربون. لكن التغلب على التحديات الحقيقية المقبلة، سيتطلب من الشركات العمل بشكل وثيق مع الحكومات للتأكد من وجود سياسات واستثمارات مناسبة لدعم هذه الصناعة سريعة النمو.
وماذا عن التباطؤ؟
في الولايات المتحدة، أفاد المحللون الذين أجروا مقابلات مع الشركات الكبرى في مجال تصنيع القطع الأصلية للسيارات، أن بعض المديرين التنفيذيين يرون أن توقعاتهم السابقة – وربما الطموحة – لمبيعات السيارات الكهربائية قد يعتريها بعض التباطؤ على المدى القصير في طلب المستهلكين، لا سيما مع وجود مؤشرات على بطء حركة مخزون الوكلاء. وقد كانت جنرال موتورز أكثر واقعية بشأن الإنتاج المستهدف بواقع 100,000 مركبة كهربائية في النصف الأخير من هذا العام و400,000 سيارة بحلول يونيو 2024. ويبدو أنها لم تتخذ هذا المنحى بمفردها. فقد أعربت شركة تسلا مؤخراً عن أسفها للمخاوف الاقتصادية التي أدت إلى تراجع الطلب؛ وهو ما رددته شركة مرسيدس بنز التابعة لشركة دايملر؛ ففي مقابلة حديثة مع المحللين، وصف مديرها المالي هارالد فيلهلم الوضع الحالي بأنه “قاسٍ للغاية”، مشيراً إلى أنه “لا يستطيع أن يتخيل أن الأزمة الراهنة تلقي بظلالها على الجميع تقريباً”. [30]
ومع تزايد المخزون لدى وكلاء التجزئة في الولايات المتحدة، ترى العديد من العلامات التجارية أنه من الضروري تقديم خصومات تحفيزية تصل إلى ما يقرب من 10% من السعر المعلن من جانب شركة تسعير السيارات العالمية «كيلي بلو بوك» (Kelley Blue Book) – وهي المرة الأولى التي يتم فيها تخفيض السيارات الكهربائية إلى هذا المستوى منذ ما يقرب من خمس سنوات، حيث لا يزال سعر شراء سيارة كهربائية مقابل السيارات المسيّرة بالوقود العادي يشكل عائقاً أمام المستهلكين في الأوقات الاقتصادية الصعبة.
وتعكف الشركات المصنعة حالياً على دراسة مطالب الوكلاء.
وأشار توشيهيرو ميبي، الرئيس التنفيذي لشركة هوندا، إلى أن بيئة السيارات الكهربائية سريعة التطور تشوبها تعقيدات بالغة، معلناً إلغاء خطط التطوير المشتركة مع جنرال موتورز للسيارات الكهربائية التي تقل قيمتها عن 30,000 دولار أمريكي في مقابلة مع بلومبرغ. [31]
وأيده في ذلك أكيو تويودا، رئيس مجلس إدارة شركة تويوتا موتور، الذي أعرب عن بعض القلق بشأن استراتيجيات العديد من المصنعين في مجال السيارات “الكهربائية فقط”، وقال في مقابلة معه على هامش معرض اليابان للتنقل [32][33]: “بدأ الناس يرون الواقع أخيراً”.
وإذا كان بالإمكان معالجة القضايا المتعلقة بمسألة تبني نموذج التنقل الكهربائي بسرعة وكفاءة وبتكلفة ميسورة على مستوى العالم، فسيصبح التنقل الكهربائي قادراً بالفعل على تغيير حياتنا. وبخلاف ذلك، ستظل المركبات الكهربائية عالقة عند إشارة المرور الحمراء لبعض الوقت . . .
وفي كلتا الحالتيّن، يبدو أن الكهربة، إلى جانب التقنيات الناشئة الأخرى مثل خلايا وقود الهيدروجين والوقود المحايد للكربون وغيرها، ستظل واحدة من العديد من تقنيات التنقل الجديدة في هذا المزيج الذي نسعى من خلاله للوصول إلى عالم خالٍ تماماً من الانبعاثات الكربونية.
[1] https://www.reuters.com/business/environment/un-chief-urges-faster-shift-net-zero-after-report-highlights-climate-threat-2023-03-20/
[2] https://www.bcg.com/publications/2022/electric-cars-finding-next-gear
[3] https://u.ae/en/about-the-uae/strategies-initiatives-and-awards/policies/transport-and-infrastructure/national-electric-vehicles-policy
[4] https://www.mckinsey.com/features/mckinsey-center-for-future-mobility/our-insights/electric-vehicles-whats-ahead
[5] https://global.toyota/en/newsroom/corporate/39013233.html
[6] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/preparing-the-world-for-zero-emission-trucks
[7] https://theicct.org/electric-buses-europe-may23/
[8] https://www.carmagazine.co.uk/car-news/tech/what-is-regenerative-braking-/
[9] https://afdc.energy.gov/vehicles/electric_basics_ev.html
[10] https://solarpower.guide/solar-energy-insights/countries-largest-shares-renewable-energy-solar
[11] https://www.nimblefins.co.uk/average-cost-electric-car-uk
[12] https://cars.usnews.com/cars-trucks/advice/why-are-electric-cars-so-expensive
[13] https://www.bcg.com/publications/2022/electric-cars-finding-next-gear
[14] https://www.washingtonpost.com/climate-environment/2023/02/07/ev-battery-power-your-home/
[15] https://www.mckinsey.com/capabilities/operations/our-insights/power-spike-how-battery-makers-can-respond-to-surging-demand-from-evs
[16] https://www.reuters.com/markets/commodities/lithium-producers-warn-global-supplies-may-not-meet-electric-vehicle-demand-2023-06-22/
[17] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2023/trends-in-batteries
[18] https://ev-database.org/cheatsheet/range-electric-car
[19] https://www.transportation.gov/rural/ev/toolkit/ev-basics/charging-speeds
[20] https://www.bcg.com/publications/2022/electric-cars-finding-next-gear
[21] https://www.mckinsey.com/industries/public-sector/our-insights/building-the-electric-vehicle-charging-infrastructure-america-needs
[22] https://www.mckinsey.com/capabilities/operations/our-insights/power-spike-how-battery-makers-can-respond-to-surging-demand-from-evs
[23] https://apnews.com/article/china-ev-lithium-united-states-battery-87eb9382a0181bb7ee64e835efe7b170
[24] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2023/trends-in-batteries
[25] https://www.electrive.com/2023/04/21/catl-and-byd-to-use-sodium-ion-batteries-in-evs-this-year/
[26] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/battery-recycling-takes-the-drivers-seat
[27] https://www.theguardian.com/environment/2023/apr/08/shock-and-ore-uk-firms-race-to-get-in-on-electric-car-battery-recycling-act
[28] https://www.euronews.com/next/2023/04/09/tired-of-waiting-ev-charging-stations-first-nio-battery-swap-stations-open-in-europe
[29] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2023/trends-in-charging-infrastructure
[30] https://www.reuters.com/business/autos-transportation/mercedes-benz-expects-hit-lower-end-returns-forecast-cars-division-2023-10-26/
[31] https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-10-25/honda-ceo-says-scrapping-plans-with-gm-to-develop-smaller-evs?embedded-checkout=true&sref=LspfQlRv#xj4y7vzkg
[32] https://www.wsj.com/business/autos/toyota-chairman-says-people-are-finally-seeing-the-reality-about-evs-31f1669c?mod=autos_news_article_pos1
[33] https://fortune.com/2023/10/25/toyota-chairman-akio-toyoda-electric-vehicles-ev-ford-gm-tesla-earnings-elon-musk/