Jameel Motors
Jameel Motors
آمال كبيرة في التنقل الجوي

هل نحن بصدد مستقبل بلا سائقين؟

Jameel Motorsدبي، الإمارات العربية المتحدة
17 يناير، 2024
Jameel Motors19 دقيقة للقراءة
Jameel motors
Newsweek Magazine – December 17, 1956: an advertisement for a new electric future including driverless cars.
مجلة نيوزويك-17 ديسمبر 1956: إعلان عن مستقبل كهربائي جديد يتضمن سيارات بلا سائق. 

لطالما بدت السيارات ذاتية القيادة (AV) وكأنها فكرة خيالية بعيدة المنال، إلى حد أنها ظلت لأعوام طويلة مقصورة على عوالم الخيال العلمي أو التوقعات الخيالية. 

قد تبدو هذه الشكوك مبررة لنا كسائقين، فاللمحات التي رأيناها حتى الآن عن القيادة الذاتية محدودة للغاية.  ربما نكون قد جربنا بعض المساعدة الآلية في أنظمة المكابح، أو تنبيهات الانحراف عن المسار، أو ربما نظام التوجيه الآلي الذي يقودنا إلى وجهتنا المختارة.

وكل هذه الأنظمة بعيدة كل البعد عن حقيقة السيارات ذاتية القيادة التي تدور في مخيلتنا: أساطيل من السيارات تتنقل بسلاسة في شوارعنا وطرقاتنا الجانبية، دون أدنى تدخل من الركاب الذين ليس عليهم سوى الاسترخاء أثناء الرحلة.

لكن هذا “المستقبل البعيد” بات أقرب إلينا اليوم أكثر بكثير مما كنا نظن، فالسيارات ذاتية القيادة التي تتدرج في تعقيداتها بدأت تظهر شيئاً فشيئاً على طرقنا، مما أتاح لسائقي السيارات الانسحاب، ولو جزئياً، من تجربة القيادة والسماح للعقل الرقمي المثبت في السيارة بتحمل أعباء القيادة بدلاً عنهم.

كيف يمكن أن تبدو السيارات ذاتية القيادة “بدون استخدام اليدين”؟

من الخارج، يبدو الجيل الجديد من السيارات ذاتية القيادة مشابهاً إلى حد كبير للسيارات التي كنا نتجول فيها منذ سنوات – صناديق من الفولاذ والبلاستيك والزجاج المقوى مثبتة على أربع عجلات. 

لكن أوجه التشابه تنتهي عند هذا الحد، لكون أن هذه السيارات الجديدة تعتمد تماماً على أنظمة ذكية من الداخل. 

وهذا يعني أن التفاعل بين السائق والآلة سيتخذ شكلاً جديداً تماماً، بفضل أنظمة القيادة الذاتية المدمجة فيها، وهي نوع من الذكاء المصمم هندسياً.

ولا شك في أن معظم مشتري السيارات في السنوات المقبلة سوف يتساءلون عن مدى ذكاء السيارات ذاتية القيادة. فعلى الرغم من عدم توفر السيارات ذاتية القيادة على النطاق التجاري حتى الآن، إلا أنه يوجد بالفعل مقياس متدرج لتحديد المستويات المختلفة للقيادة الذاتية، وهي تتراوح بين أنظمة مساعدة السائق والقيادة الآلية بالكامل.[1]

  • المستوى 0: يقدم تحذيرات ومساعدة متفرقة للسائق، بدءاً من الكبح في حالات الطوارئ إلى تنبيهات النقاط العمياء.
  • المستوى 1: دعم التوجيه أو الكبح / التسارع، على سبيل المثال تمركز المسار أو التحكم التكيفي في ثبات السرعة.
  • المستوى 2: دعم التوجيه والكبح / التسارع، على سبيل المثال تمركز المسار والتحكم التكيفي في ثبات السرعة.
  • المستوى 3: يسمح بالقيادة الآلية في ظل ظروف معينة، مثل “الازدحام”.
  • المستوى 4: يسمح بالقيادة الآلية في ظل ظروف معينة لا تتطلب استخدام الدواسات أو المقود.
  • المستوى 5: السيارات التي تعتبر قادرة على القيادة الذاتية بالكامل في شتى الظروف المرورية.

ولعلنا نتساءل الآن عن موقعنا الحالي على الطريق نحو القيادة الذاتية في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة.

في الوقت الحالي، لا يوجد سوى عدد قليل من السيارات المتوفرة تجارياً تتجاوز عتبة المستوى الثاني من القيادة الذاتية. 

ومع ذلك، تجري اختبارات القيادة الذاتية من المستوى الثالث على الطرقات في بيئات خاضعة للرقابة، وقد يشهد عام 2024 إطلاق الضوء الأخضر لتجارب سيارات المستوى الرابع على الطرقات العامة.

وعلى غرار السرعة التي حلت بها السيارات الكهربائية محل محركات الاحتراق الداخلي، فمن المتوقع أن تصعد السيارات ذاتية القيادة إلى صدارة المشهد سريعاً بمجرد اعتمادها على نطاق واسع، وذلك لأن مزاياها ستزداد أضعافاً مضاعفة.

تبدأ المتعة الحقيقية عندما تصبح غالبية السيارات على الطريق ذاتية القيادة، وعندها فقط سنرى مشهداً مثيراً لسيارات قادرة على التواصل مع بعضها البعض.

السلامة و الكفاءة تمثلان أبرز المكاسب.

  • السلامة: من أجل تجنب الاصطدام، تتبادل السيارات ذاتية القيادة الرسائل وتنحرف في اتجاهات مختلفة بأسرع مما يمكن للعقل البشري أن يتفاعل معه.
  • الكفاءة: حالياً، تقضي ملايين السيارات الكثير من وقت الرحلة وهي عالقة في حركة المرور المزدحة. ومع اتصال السيارات ذاتية القيادة بما يُعرف باسم “عقل الخلية” الذي يشمل جميع السيارات على الطريق، يمكن للخوارزميات المتقدمة أن تحدد تدفقات حركة المرور المثلى وتضمن وصول الجميع إلى وجهتهم بشكل أسرع (وأقل إجهاداً) مما يمكن للعقول البشرية أن تفعله.

وهكذا تقدم لنا هذه المركبات الذكية رؤية جديدة للقيادة، رؤية يتم فيها تقليص دور الإنسان (بمنطقه المعرض للخطأ ونفاد صبره المجبول عليه) لصالح شيء مصمم خصيصاً لهدف واحد: نقل الأشخاص والبضائع بأمان ودون حوادث.

شركات مرموقة تحرز تقدما في سباق الهيمنة على سوق السيارات ذاتية القيادة

Toyota Research Institute Vehicle Photo credit © Kirsten Korosec

لطالما كانت صناعة السيارات ذاتية القيادة مرتعاً للابتكار ومحل تركيز من جانب كبرى الشركات في صناعة السيارات، وعلى رأسها تويوتا موتور كوربوريشن، شريك جميل للسيارات طويل الأمد.

تعمل تويوتا على تطوير أنظمة مزدوجة تسعى من خلالها إلى إحداث ثورة في مفهوم قيادة السيارات. 

Text Box: رصيد الصورة-كيرستن كوروسيك
ولهذا قامت الشركة بتصميم منصة السلامة “جارديان” (Guardian)، وهي عبارة عن نظام متعدد الاستخدامات لتسهيل مهام القيادة.

أما نظام السائق، فهو عبارة عن تقنية قيادة ذاتية قادرة على العمل دون أي تدخل بشري على الإطلاق. وسيكون نظام السائق، الذي يستهدف المستوى الرابع أو المستوى الخامس من القيادة الذاتية، بمثابة شريان حياة لأولئك الذين لا يستطيعون القيادة لأسباب بدنية، وميزة لا تُقدَّر بثمن لأولئك الذين لا يفضلون القيادة.

Toyota Ventures Logo

وكشركة رائدة في مجال البحث والتصميم، تستثمر تويوتا أيضاً في التقنيات المترابطة من خلال شركتها الاستثمارية الأولى تويوتا فنتشرز، المتخصصة في تمويل الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة.   

وتستثمر تويوتا فنتشرز بشكل خاص في شركة Apex.AI، التي تبتكر برمجيات لأنظمة التنقل الذاتي مثل «أبيكس. او اس» (Apex.OS)؛ ونظام «ناوتو» (Nauto)، وهو منصة لتعلم السلوكيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتقوم بفحص مليارات من نقاط البيانات لتحديد السمات الخطرة المرتبطة بعادات القيادة البشرية.  وبالنظر إلى الصورة الأكبر، تتطلع تويوتا أيضاً إلى ”عالم ذكي“ لا يشمل سياراتنا فحسب، بل يشمل أيضاً منازلنا وأجهزة الحاسب وشبكات الطاقة والمدن وغيرها.

كما يأتي في طليعة هذه الصناعة الواعدة شركة «ريفيان» (RIVIAN) الرائدة في مجال السيارات الكهربائية ومقرها كاليفورنيا، والتي تعد شركة جميل لإدارة الاستثمار (JIMCO) أحد أهم المستثمرين فيها. وفي الواقع، تُوصف سيارات «ريفيان» بأنها أجهزة كمبيوتر أكثر من كونها سيارات، وهي مصممة خصيصاً لدعم السائق آلياً بدون استخدام اليدين، ومراقبة السائق، وتوفير نظام معلومات عن بُعد – وكلها أنظمة قابلة للتحديث باستمرار على غرار تطبيقات الهاتف. وقد صُمِّم نظام الشحن الفريد من نوعه الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي في سيارات «ريفيان» لمضاعفة عمر البطاريات المثبتة في السيارة بنحو ثلاث مرات.

ريفيان آر 1 إس في محطة شحن ريفيان في الولايات المتحدة. مصدر الصورة: ريفيان

ويُراهن عملاق الصناعة «تسلا» على أنظمة مساعدة السائق المتقدمة (ADAS)، إذ تسعى الشركة حالياً إلى تحقيق أتمتة متطورة من المستوى الثاني تقريباً، وتهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق المستوى الرابع أو الخامس من الأنظمة ذاتية القيادة. وتشمل أبرز مزايا نظام تسلا التوجيه شبه الذاتي على الطرق السريعة محدودة الازدحام، والركن الذاتي في مواقف السيارات، وتغيير المسار تلقائياً، والتحكم التلقائي في السرعة بناءً على حركة المرور.

وتحرص العلامات التجارية العريقة في مجال السيارات على السير بمحاذاة هذه الشركات الناشئة المتمرسة في مجال التكنولوجيا، فقد زوّدت كاديلاك سيارتها إسكاليد هذا العام بنظام «سوبر كروز» (Super Cruise) المصمم خصيصاً من كاديلاك، والذي يستخدم بيانات خرائط «لايدر» (LiDAR) وكاميرات 360 درجة ومجموعة من المستشعرات لتوفير قيادة ذاتية على طرقات مختارة. وقد سجل نظام «سوبر كروز»  بالفعل ملايين الأميال من القيادة الآمنة.

وحتى لا تتخلف عن الركب، فقد زوّدت فولكس واجن سياراتها جولف وباسات بكاميرات مدمجة وأجهزة رادار لاكتشاف تغيرات حدود السرعة والاستجابة لإشارات الطريق. ويضمن التحكم التلقائي في المسافة الحفاظ على ”المسافات الآمنة“ باستمرار أثناء القيادة.

وتُوصف تقنية «مساعد القيادة المحترف» (Driving Assistant Professional) من «بي ام دبليو»، وهي متوفرة في الفئة السابعة الجديدة، بأنها القلب النابض للسيارة. فهي توفر مجموعة من التدخلات الذاتية مثل نظام تثبيت السرعة النشط، وتوجيه المسار، واكتشاف إشارات المرور، والمساعدة في التوقف في حالات الطوارئ، والتحذير من الاصطدام الخلفي. [2]

سيارة أودي كيو 8 ذاتية القيادة (غير متوفرة للإنتاج) أثناء تجربتها على الطريق في وشى، الصين.  مصدر الصورة: أودي إيه جي

وتستعرض أودي تنوع تكنولوجيا الاتصال V2X (من السيارة إلى كل شيء) في سياراتها الجديدة «كيو8» (Q8)، وهي تجربة قيادة مؤتمتة بالكامل يتم اختبارها على الطرق العامة في مدينة ووشي بالصين. وباعتبارها “مدينة ذكية“، تمتلك ووشي البنية التحتية اللازمة للتجارب في بيئة حية. وتتميز سيارات «كيو8» بقدرتها على التكامل مع خدمة إشارات المرور الضوئية، ما يعني أنها قادرة على القيام بمهام الكبح لتجنب الاصطدام بمستخدمي الطريق الآخرين والمشاة.

وفي سوق السيارات الفاخرة، تعمل تقنية «سكاي سفير» (Skysphere) التجريبية من أودي على توسيع طول هيكل السيارة بمقدار 10 بوصات بعد الانتقال إلى وضع القيادة الذاتية، بينما تتميز سيارة «غراندسفير» (Grandsphere) بمفاتيح تحكم قابلة للطي في الأمام لإفساح المجال لتشكيل المقاعد على هيئة صالة.

وفي عام 2022، طرحت فورد لأول مرة تقنية «بلو كروز» (BlueCruise) في طرازات «موستانج ماخ إي» (Mustang Mach-E). وأصبحت حكومة المملكة المتحدة أول حكومة في أوروبا تعطي الضوء الأخضر للقيادة بدون استخدام اليدين على حوالي 2300 كيلومتر من الطرقات المعروفة باسم المناطق الزرقاء للقيادة الذاتية. وعلى الرغم من أن السائقين مجبرون على إبقاء انتباههم على الطريق، إلا أنهم ليسوا بحاجة إلى إمساك المقود أو الدواسات. وتراقب الكاميرات المواجهة للسائق نظرات العينين ووضعية الرأس للتعرف على وقت تشتت انتباه السائق. طُرحت تقنية «بلو كروز»  أيضاً في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، التي تشكل سيارات الأجرة ذاتية القيادة فيها مشهداً مألوفاً في المدن التقدمية مثل سان فرانسيسكو، وحتى الأكثر تحفظاً مثل فينيكس.

جميع الأنظمة تتجه نحو ثورة القيادة الذاتية

فتحت أنظمة المساعدة على القيادة المتطورة وأنظمة القيادة الذاتية سوقاً تتراوح قيمتها بين 40 و55 مليار دولار أمريكي، بحسب البيانات الصادة في عام 2022. وهذا مجرد غيض من فيض، فمن المتوقع أن ترتفع الإيرادات إلى ما بين 300-400 مليار دولار أمريكي بحلول منتصف عام 2030، مع استحواذ المستوى 4 وما بعده من أنظمة “القيادة المؤتمتة” على نصف هذا المبلغ. [3]

ومن الناحية الواقعية، فإن ذلك يعني أن الأسطول العالمي من السيارات المؤتمتة بالكامل على الطرقات اليوم والبالغ حوالي 17,000 سيارة مؤتمتة بالكامل، سيتوسع إلى أكثر من 125,000 مركبة بحلول نهاية العقد، مع وجود عدد لا يحصى من السيارات الأخرى التي تعرض مستويات أقل شمولاً من القيادة الذاتية. [4] وتشير بعض التقديرات إلى أن أرقام إنتاج السيارات التي تتميز بقدرات جزئية ذاتية القيادة قد تصل إلى 800,000 سيارة سنوياً بحلول عام 2030. [5]

واعتماداً على مدى سرعة استجابة الصناعة والمشرعين المحليين للثورة التكنولوجية القادمة، يمكن أن تصبح السيارات ذات المستوى العالي من القيادة الذاتية هي القاعدة وليس الاستثناء خلال العقد القادم.

وفي ظل سيناريو التبني المتسارع الذي اقترحته شركة ماكينزي العالمية لاستشارات الأعمال، فإن 57% من سيارات الركاب المباعة بحلول عام 2035، يمكن أن تشتمل على المستوى الثالث وما فوقه من القيادة الذاتية – والذي يضمن قيادة آلية في الازدحام المروري وعلى الطرق السريعة وفي المدن. وحتى في ظل أدنى التوقعات، ستحتوي سيارة واحدة من كل ست سيارات تقريبا على هذه الأنظمة المؤتمتة، مع اشتمال أكثر من نصف السيارات المتبقية على مستوى مبتدئ من الذكاء الاصطناعي. [6]

والخلاصة أن عصر القيادة الذاتية قادم سواء أحببناها أم لا، ولا شك في أن معظمنا سيحبها بعد التعرّف على مزاياها، فقد كشفت الاستطلاعات عن أن ميزات الأمان مثل اكتشاف النقاط العمياء (83٪) والرؤية الليلية (80٪) تحظى بتقييمات عالية للغاية من جانب جمهور المستهلكين. وتمتد أفاق هذه التوقعات إلى الطفرات التكنولوجية الأكثر أهمية، والتي تبشر بتغيير جذري في علاقتنا بمفهوم القيادة بالكامل، وهي تشمل القيادة على الطرق السريعة غير الخاضعة للرقابة (65٪)، والقيادة بدون تدخل بشري في المدن  (64٪) والسيارات ذاتية القيادة بالكامل (61٪). [7]

وقد يشكل المشغلون التجاريون القوة الدافعة الأكبر وراء انتشار السيارات ذاتية القيادة في المستقبل، حيث يأمل أكثر من نصف الشركات الصغيرة في تحويل أساطيلها إلى سيارات ذاتية القيادة بالكامل في غضون عقدين من الزمن. [8]

ويوجد بالفعل العديد من “مراكز” السيارات ذاتية القيادة حول العالم، مما يدل على أهمية الدعم التشريعي لاعتماد السيارات ذاتية القيادة على نطاق واسع.

ووفقاً لشركة ماكنزي، من المرجح أن تصبح الصين، التي تهيمن عليها التكنولوجيا، أكبر سوق عالمية للسيارات ذاتية القيادة، وعندها ستمثل السيارات ذاتية القيادة ثلثي إجمالي الأميال التي يقطعها الركاب في الصين بحلول عام 2040. [9]

لكن الأمر على النقيض تماماً في الولايات المتحدة الأمريكية التي فشلت حتى الآن في سن تشريع على المستوى الفيدرالي ينظم السيارات ذاتية القيادة. ولا تزال الجهود جارية في مجلس النواب لإحياء الشراكة الحزبية المتوقفة بشأن هذه القضية. فحتى يناير 2023، لم يكن لدى 10 ولايات (من أصل 50 بالإضافة إلى واشنطن العاصمة) أية قوانين تخص السيارات ذاتية القيادة، أو لم يكن لديها أي بيان رسمي حول هذا الموضوع.

وعلى العكس من ذلك، تتحرك المملكة المتحدة بخطى ثابتة لتأكيد مكانتها في طليعة سوق السيارات ذاتية القيادة. ففي عام 2022، قامت الحكومة بتعديل دليل السائقين الشهير، المعروف باسم ”كود الطريق السريع“، ليشمل السيارات ذاتية القيادة. وتحدد إرشادات الدليل الحالات التي يجب على السيارات ذاتية القيادة تسليم القيادة إلى الإنسان، مثلما هو الحال أثناء أعمال الطرق أو سوء الأحوال الجوية.

وفي تجربتها التي استمرت ثلاث سنوات في المملكة المتحدة، حققت نيسان نجاحاً لافتاً في مجال السيارات ذاتية القيادة بعد إكمال 1600 ميل من الاختبارات داخل المدينة دون أي حوادث. [10]  وفي صيف عام 2023، كشفت وزارة النقل البريطانية عن تشريع جديد للسماح للسيارات بدون سائق (حتى بدون ‘سائقي السلامة’ في المقعد الأمامي) بنقل الركاب والقيام بعمليات التوصيل بحلول عام 2027.  ومع ذلك، يشكك البعض في إقرار تلك التشريعات بحلول ذلك التاريخ.

فلماذا إذن نرى المشرّعون يتخلفون دائماً عن المبتكرين؟  قد يكون أحد الأسباب الرئيسية هو الافتقار إلى البنية التحتية اللازمة لتعميم نموذج السيارات ذاتية التقنية على نطاق واسع.

على المدن أن تمهد الطريق لمستقبل ذكي

يشكل تصميم الجيل القادم من السيارات ذاتية القيادة وتصنيعها تحدياً ملحوظاً، وهو تحدٍ تتوق صناعة السيارات إلى استكشافه. لكن إطلاق العنان لأساطيل السيارات ذاتية القيادة على الطرقات غير المجهزة سيكون مغامرة محفوفة بالفشل.

وببساطة، تحتاج طرقاتنا ومدننا إلى اللحاق بالركب من أجل الاستعداد للثورة القادمة.

وهذا يتطلب أن تكون علامات الطرقات واضحة ومرئية وأن تتم صيانتها بعناية. كما ينبغي أن تكون علامات المرور موحدة ومثبته في أماكن بارزة.

وقد تكون هناك حاجة إلى تقنيات جديدة لتعبيد الطرق، أو على الأقل إدخال إصلاحات كبيرة على الطرق الحالية. ونظراً لأن السيارات ذاتية القيادة تسير في قوافل أكثر تنظيماً من السيارات التقليدية، فإنها تتسبب عموماً في ظهور أخاديد على شكل خطوط متوازية في المواد اللينة مثل الأسفلت، ولذا ستحتاج مواد التعبيد المستقبلية إلى مراعاة نفاذية مياه الأمطار وبناء مسارات خرسانية مقاومة للتآكل.

وستحتاج المدن قريباً إلى إدخال أنظمة إدارة النقل الرقمية المعقدة والمكلفة. وستكون هذه الأنظمة مسؤولة أيضاً عن توصيل كميات كبيرة من البيانات عن تدفقات حركة المرور وأعمال البناء وحدود السرعة، فضلاً عن أنظمة تشغيل المركبات المتعددة في وقت واحد.  

 أنظمة النقل التعاونية الذكية: نظام نقل متقدم لمنع حوادث المرور وإدارة الطرق ودعم عمليات السيارات من خلال مشاركة البيانات اللحظية من خلال نظام الاتصال من مركبة إلى مركبة (V2V) ومركبة إلى أشخاص (V2P) ومركبة إلى بنية تحتية (V2I). حقوق الصورة: مشروع سيول توبيس (https://topis.seoul.go.kr/openEngCits.do)

ومن غير المرجح أن يحدث هذا التحوّل الشامل بين عشية وضحاها، لأنه سيتطلب تعاوناً جماعياً لمواءمة الأنظمة والعمليات، وغالباً ما سيكون ذلك على مستوى دولي. ومع ذلك، فإن النماذج المبكرة لمثل هذه الأنظمة تبعث على التفاؤل.

على سبيل المثال، أثبتت أنظمة النقل الذكية التعاونية (C-ITS) براعتها في تزويد السيارات بإنذارات مبكرة بشأن الحوادث أو التأخير. 

وقد برزت سيول في كوريا الجنوبية كواحدة من أوائل المؤيدين لأنظمة النقل التعاونية الذكية، كجزء من مشروعها الأوسع نطاقاً لنظام تشغيل ومعلومات النقل (توبيس)، والذي تم تثبيته على امتداد حوالي 121 كم من الطرق الرئيسية. ويمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد في منع وقوع الحوادث من خلال توجيه السيارات لتبديل حارات السير في وقت قصير.

وبالمثل، نشرت أستراليا أنظمة النقل التعاونية الذكية على امتداد طريق بروس السريع في كوينزلاند والذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر، ويتم من خلالها تحذير المشاة وإطلاق الإشارات الحمراء عند الحاجة، وهي خطوة من المتوقع أن تقلل من الحوادث بمقدار الخمس. [11]

وتستخدم البرتغال تقنية أنظمة النقل التعاونية الذكية لإبلاغ السائقين بالمخاطر والتأخيرات داخل نفق غاردونها الذي يبلغ طوله 1620 متراً بالقرب من فونداو. ويقوم النظام بتنبيه سائقي السيارات بالمشاكل قبل دخول النفق، مما يسمح لهم بتغيير الطريق وتجنب هذه المشاكل.

وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن وجود منظومة شاملة للسيارات ذاتية القيادة – نظام يشمل التواصل بين المركبات والبنية التحتية ومستخدمي الطرق الآخرين – من شأنه أن يقلل في نهاية المطاف من الحوادث بنسبة تصل إلى 78% في جميع أنحاء العالم. [12]

عقبات في الطريق؟

ستحتاج البلدان إلى إعطاء الأولوية لشبكات الاتصال المتنقل من أجل الاستفادة من مزايا التقدم في مجال السيارات ذاتية القيادة.  صحيح أن شبكات الجيل الرابع (4G) كانت كافية للعديد من التطبيقات المبكرة، لكن الجيل الخامس (5G) منها سيكون ضرورياً لتوفير ما تتطلبه صناعة السيارات ذاتية القيادة من سرعات العالية وأوقات استجابة مخفضة. لكن إطلاق مثل هذه الأنظمة يستغرق وقتاً طويلاً وينطوي على تكاليف باهظة.

ومن غير المرجح أن تتمكن الحكومات من التفاوض على مجموعة واسعة من القضايا التي تطرحها صناعة السيارات ذاتية القيادة، دون تنسيق وتوجيه استراتيجي، ودون دعم من مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة في هذه الصناعة.

وتسعى بعض البلدان إلى إنجاز ذلك من خلال هيئات مخصصة، مثل مركز المملكة المتحدة للمركبات المتصلة وذاتية القيادة (CCAV) [13]

وقد أشرفت وحدة السياسات هذه، وهي مبادرة مشتركة بين إدارات الأعمال والنقل في البلاد، على أنشطة مختلفة مثل تأمين 450 مليون دولار من الاستثمارات العامة والخاصة، ووضع مدونة لممارسات الاختبار، وسن تشريعات أولية جديدة، فضلاً عن ضمان مشاركة الجهات المحلية والإقليمية [14]. كما كلف المركز اللجان التشريعية في المملكة المتحدة بمراجعة الإطار القانوني للسيارات ذاتية القيادة. ويتضمن التقرير الناتج، الذي نُشر في عام [15], 2023، توصيات بشأن قضايا مثل الموافقة والترخيص، ومراقبة الأداء، والتسويق، والمسؤولية الجنائية والمدنية.

وسيكون التنسيق والتعاون حاسميّن أيضاً على المستوى الدولي. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يُساعد الجمع بين الخبرات الدولية في الإجراءات الموحدة للاختبارات وتنسيق التحقيقات في الحوادث على الصعيد الدولي في تسريع التحوّل إلى السيارات ذاتية القيادة في جميع البلدان.    

وثمة عقبة أخرى تتمثل في عدم وجود توافق في الآراء بشأن طرق الاتصال المفضلة، مما يجعل من الصعب تبرير الاستثمار الفوري. ومن شأن التعاون العالمي نحو وضع معايير متفق عليها أن يزيد من ثقة صانعي السياسات بشأن الاستثمار، ويساعد المطورين على إيجاد حلول قابلة للتطبيق على نطاق واسع. ويقترح منتدى النقل الدولي (ITF) أنه يمكن دعم عمليات السيارات ذاتية القيادة في مناطق مختلفة من خلال تطوير ”مخطط“ قابل للتخصيص لتجنب الحاجة إلى ابتكار ترتيبات جديدة في كل مدينة.

ويقول منتدى النقل الدولي في تقريره: “إن أفضل طريقة للتعامل مع الغموض الذي يكتنف كيفية ومكان عمل السيارات ذاتية القيادة هي التعاون العالمي بين الصناعة وصانعي السياسات، والعمل معاً لشرح أوجه عدم اليقين ووضع نهج قياسي يمكن أن يشجع الابتكار ويحمي الجمهور”. [16]

ومن الأمثلة المشجعة على هذا التعاون الدولي مشروع الطرقات الآلية [17]، الذي يجمع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومشغلي الطرق للعمل على تنسيق نشر أنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآلية. ومن أبرز الأمثلة الأخرى منتدى الأمم المتحدة العالمي لتنسيق اللوائح التنظيمية للمركبات، وهو يعمل على وضع إطار تنظيمي عالمي للمركبات ذاتية القيادة، بما في ذلك رفع الحد الأقصى للسرعة القصوى للسرعة الآلية إلى 130 كيلومتراً في الساعة[18]. وإذا ما تمكنت الحكومات والصناعة في جميع أنحاء العالم من إظهار الطموح والشجاعة اللازميّن للبناء على مثل هذه المبادرات، فستكون الحكومات وصناعة السيارات في جميع أنحاء العالم في وضع جيد لتسخير الإمكانات الكبيرة للمركبات ذاتية القيادة.

وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي الخرائط عالية الوضوح، حيث تدمج هذه الخرائط البيانات التاريخية والفورية لتوليد نموذج ثلاثي الأبعاد للمحيط المباشر للمركبة، بدقة تصل إلى سنتيمترات. وتمثل مثل هذه الخرائط التفصيلية نوعاً خاصاً من البنية التحتية اللازمة للسيارات ذاتية القيادة، إلا أن كثافة بياناتها تتطلب قدرات هائلة لمعالجتها.

وفي الواقع، تُعد قوة المعالجة في حد ذاتها واحدة من عدة عقبات قد تؤخر اعتماد السيارات ذاتية القيادة على مستوى العالم. ويجب على المشغلين أيضاً النظر في إصلاح تدابير أمن البيانات؛ وتنقيح قوانين المسؤولية؛ والحماية من الهجمات الإلكترونية. كما أنهم لا يستطيعون التغاضي عن المعركة التي ربما لا يُستهان بها من أجل للفوز بالقلوب والعقول.

ولأن المستهلكين هم الذين سيحددون في نهاية المطاف مصير التحوّل إلى السيارات ذاتية القيادة، فمن الضروري ضمان استعدادهم لتمويل هذه التكنولوجيا من خلال قوتهم الشرائية، مع الأخذ في الاعتبار أن البعض قد يواجه صعوبة في تقبل مفهوم التنازل عن التحكم في سياراتهم لنظام غير مرئي يعمل بالذكاء اصطناعي، أو السماح لبياناتهم بالتدفق بحرية إلى كمبيوتر فائق السرعة على مستوى مدينة بأكلمها.

وهذه العقبات مجتمعة تُحتم على أصحاب المصلحة أن يتحدوا لمواجهة هذه التحديات بالطاقة والخيال، فالفوائد المحتملة لصناعة السيارات ذاتية القيادة تبرر كل هذه الجهود، ويكفي أن نذكر منها انخفاض عدد الضحايا والاصابات الناجمة عن حركة المرور، وحرية أكبر للأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية، وشوارع أقل ازدحاماً، والحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مع انطلاق حركة الأشخاص والبضائع بأقصى قدر من الكفاءة وأقل عدد من الأميال الضائعة.

وعلى أية حال، فإن القيادة الذاتية جاءت لتبقى. فهل أنت مستعد للانضمام إليها؟

Jameel Motors
Jameel Motors
أحلام كهربائية؟
حاشية

[1] https://www.sae.org/news/press-room/2018/12/sae-international-releases-updated-visual-chart-for-its-leves-of-driving-automation-standard-for-self-driving-vehicles

[2] https://www.bmwgroup.com/en/news/general/2023/driver-assistance-systems.html

[3] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/autonomous-drivings-future-convenient-and-connected

[4] https://www.statista.com/statistics/1230664/projected-number-autonomous-cars-worldwide/

[5] https://research.aimultiple.com/self-driving-cars-stats/

[6] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/autonomous-drivings-future-convenient-and-connected

[7] https://press.spglobal.com/2023-06-15-Consumers-Desire-Automated-Safety-over-Self-driving-Technology,-according-to-S-P-Global-Mobility

[8] https://research.aimultiple.com/self-driving-cars-stats/

[9] https://research.aimultiple.com/self-driving-cars-stats/

[10] https://www.telegraph.co.uk/business/2023/10/15/driverless-cars-britain-four-years-nissan-ford/

[11] https://cms.its-australia.com.au/assets/images/PDFs/Connectivity-in-C-ITS-White-Paper_FINAL_web.pdf

[12] https://www.traffictechnologytoday.com/news/connected-vehicles-infrastructure/white-paper-australian-research-reveals-connected-talking-cars-could-save-lives.html

[13] https://www.gov.uk/government/organisations/centre-for-connected-and-autonomous-vehicles

[14] https://www.itf-oecd.org/preparing-infrastructure-automated-vehicles

[15] https://www.lawcom.gov.uk/project/automated-vehicles/

[16] https://www.itf-oecd.org/preparing-infrastructure-automated-vehicles

[17] https://www.c-roads.eu/platform.html

[18] https://unece.org/media/transport/Road-Safety/press/368227