رؤية متميزة في تبني التحوّل الأخضر

عندما يدور الحديث حول التنقل المستدام، فغالباً ما تهيمن المركبات الكهربائية والهيدروجينية على النقاش.
ليس من الصعب فهم السبب وراء ذلك، خاصة لمن يتابعون توجهات السوق عن كثب. فقد شهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المركبات الكهربائية، التي تجاوز عددها اليوم 40 مليون مركبة، مقارنة بـ 26 مليوناً في عام 2022.[1] وفي عام 2023، ارتفع الطلب على بطاريات السيارات الكهربائية بنسبة 40% في أوروبا وأمريكا، و35% في الصين.[2]
وفي المقابل، برز الهيدروجين كخيار صديق للبيئة للمركبات التجارية الثقيلة، مثل الشاحنات والحافلات. ورغم أن انتشار المركبات الهيدروجينية لا يزال محدوداً، إذ لم يتجاوز عددها عالمياً المليون مركبة، إلا أن مبيعاتها سجلت منذ عام 2017 معدل نمو سنوي مركب قدره 22.5%.[3], [4]

ولكن، هل يعطينا التركيز على هاتين التقنيتين المهيمنتين رؤية شاملة لتنوع الفرص في عالم التنقل المستدام؟ وهل هناك حلول تقنية أخرى، أقل شهرة، لكنها قد تؤدي دوراً محورياً بنفس القدر في بناء نظام تنقل أكثر استدامة وإنصافاً؟
الوقود الاصطناعي يشعل الأمل في مستقبل مستدام
هل يمكن للوقود الاصطناعي، أو ما يُعرف بـ”الوقود الإلكتروني” (e-fuels)، أن يؤدي دوراً حقيقياً في تحقيق الطموحات العالمية لإزالة الكربون من قطاع النقل؟
يتطلب الوقود الاصطناعي المحايد للكربون مادتين خام فقط لتصنيعه، الماء وثاني أكسيد الكربون، وكلاهما متوفر بوفرة في الطبيعة. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هذا الوقود يمكن استخدامه مباشرة في العديد من المركبات الحالية، بدءاً من السيارات وحتى الشاحنات والطائرات، مما يجعله خياراً عملياً للتحول نحو مستقبل أكثر استدامة.
وفي أكثر أشكاله كفاءة، يتم إنتاج الوقود الاصطناعي باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة (مثل الرياح أو مزارع الطاقة الشمسية) لفصل جزيئات الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، مما يؤدي إلى إنتاج الهيدروجين المتجدد. بعد ذلك، يتم التقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء باستخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS)، ثم دمجه مع الهيدروجين المتجدد لإنتاج وقود خالٍ من الانبعاثات الكربونية، ليُصبح بذلك أحد الحلول الواعدة في رحلة إزالة الكربون من قطاع النقل.

الحقيقة أننا بصدد فوائد مزدوجة؛ فمن ناحية، يُعد الوقود الاصطناعي تقنية فعالة، حيث يتوافق مع الوقود المستخدم حالياً في المركبات التي تعمل بالاحتراق والبنية التحتية القائمة، نظراً لتشابههما في الخصائص الفيزيائية والكيميائية، مما يُسهل اعتماده دون الحاجة إلى إدخال تغييرات جذرية في أنظمة النقل. ومن ناحية أخرى، يُسهم الوقود الاصطناعي بشكل كبير في جهود إزالة الكربون، سيما في قطاعي النقل والطيران، خاصة مع ارتفاع انبعاثات هذا القطاع إلى أكثر من 250 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2022، بمعدل نمو سنوي بلغ 3%[5]، وهذا ما يجعل البحث عن حلول مستدامة ضرورة ملحة لضمان مستقبل أكثر استدامة وكفاءة بيئية.
ورُغم أن الحصة السوقية للوقود الاصطناعي لا تزال محدودة، إذ يقتصر بيعه حالياً على منافذ متخصصة تخدم عادةً سباقات السيارات والمركبات الكلاسيكية، إلا أنه قد يصبح عنصراً أساسياً في محطات الوقود مستقبلاً، خاصة وأن التوقعات تشير بقوة إلى احتمالية وصول حجم السوق إلى 22.5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2031.[6]
فلماذا إذن تتوقف عند هذا الحد؟ وماذا عن الوقود المستخرج من المواد الخام في قطاعات أخرى، والمعروف باسم الوقود المتجدد؟ إذ يمكن لهذه الأنواع أن تسهم في إزالة الكربون من الصناعات التي يصعب تحويلها إلى الكهرباء، مثل الطيران، والشحن و النقل الثقيل.
يمكن تصنيع الوقود الحيوي المتجدد مثل البيونافتا والبروبان الحيوي والزيوت النباتية المعالجة بالهيدروجين من النفايات الشائعة، بما في ذلك الدهون الحيوانية والكتلة الحيوية والغاز الحيوي والزيوت النباتية، وحتى مخلفات الغابات والزراعة. وبالمثل، تتيح تقنية إعادة التدوير الجزيئي الحديثة تحويل النفايات الصلبة إلى ميثانول متجدد، أو ميثانول حيوي، مما يعزز دور الاقتصاد الدائري في إدارة التحول البيئي المستدام.
وما يبعث على التفاؤل هو أن بعض هذه التقنيات قد أثبتت فعاليتها بالفعل، وإن كان ذلك جزئياً. فالوقود الذي نضخه يومياً في سياراتنا يحتوي عادةً على ما لا يقل عن 10% من الوقود المستدام، دون أن يدرك معظمنا ذلك.[7]
ويمكن تطبيق التقنية ذاتها لإنتاج وقود الطائرات الحيوي (Biojet) المستخدم في قطاع الطيران، والذي يعتمد في الأساس على المخلفات العضوية مثل الزيوت النباتية ودهون الحيوانات. كما أن الوقود المستدام للطيران (SAFs) يلقى دعماً تشريعياً متزايداً، لا سيما من مبادرة “ريفيليو للطيران” (ReFuelEU Aviation) التابعة للاتحاد الأوروبي[8]، والتي تهدف إلى تعزيز استخدام الوقود المستدام في قطاع الطيران.
ومع ذلك، لا تزال الحصة السوقية للوقود المستدام للطيران محدودة، إذ لا تتجاوز 2% من إجمالي وقود الطيران المستخدم عالمياً. ولضمان انتشاره على نطاق أوسع، قد يتطلب هذا الوقود دعماً حكومياً إضافياً، حيث تسعى مبادرة “ريفيليو للطيران” إلى رفع هذه النسبة إلى 20% من إجمالي وقود الطيران المستخدم في الرحلات الجوية الأوروبية بحلول عام 2035، ثم زيادتها تدريجياً إلى 63% بحلول عام 2050.[9]
وإلى جانب الوقود الحيوي، يبرز الغاز البترولي المسال (LPG)، المعروف باسم “غاز السيارات” (Autogas)، كخيار آخر محتمل لجعل التنقل أكثر استدامة. وعلى الرغم من أنه ليس حلاً صفري الانبعاثات، إلا أنه يمكن أن يؤدي دوراً مرحلياً مهماً في تقليل البصمة الكربونية خلال رحلة التحوّل إلى الحياد الكربوني، حيث ينتج محرك يعمل بالغاز البترولي المسال انبعاثات جسيمات (PN) أقل بنسبة 81%، وانبعاثات كربونية أقل بنسبة 21% مقارنةً بمحركات الاحتراق الداخلي التقليدية.[10]
يتم إنتاج غاز السيارات (الأوتوغاز) من خلال طريقتين رئيسيتين، تختلفان بحسب مصدر الإنتاج والمعالجة. تعتمد الطريقة الأولى على التقطير التجزيئي لمزيج من البروبان والبيوتان، وهي عملية تُجرى مباشرة في الحقول الغازية الطبيعية، وتُعرف باسم العملية “الأولية” (Upstream Process)، حيث يتم فصل المكونات الغازية قبل معالجتها وتوزيعها. أما الطريقة الثانية، فتُعرف بالعملية “النهائية” (Downstream Process)، حيث يُستخرج الأوتوغاز من النفط الخام أثناء عملية التقطير داخل المصافي، مما يجعله منتجاً ثانوياً لمعامل التكرير. وفي كلتا الطريقتين، يُمكن إسالة المنتج النهائي عن طريق ضغط الغاز إلى مستوى يتراوح بين 3 و10 بار، مما يسهل نقله وتخزينه بفعالية.
ورغم أن الأوتوغاز لم يصبح متاحاً بعد في جميع محطات الوقود، إلا أن الإقبال عليه يشهد نمواً ملحوظاً، إذ ارتفع استخدامه بنسبة 50% خلال العقد الماضي، ويُعتمد عليه حالياً في تشغيل ملايين المركبات حول العالم[11]. وما يميز الأوتوغاز هو أنه وقود غير سام وصديق للبيئة، فضلاً عن كونه خياراً اقتصادياً، حيث يوفر ما يصل إلى 40% في تكلفة التعبئة مقارنة بالوقود التقليدي، مما يجعله بديلاً جذاباً لمختلف قطاعات النقل.

يمكن تعديل محركات الاحتراق الداخلي الحالية بسهولة وتهيئتها للعمل بوقود الأوتوغاز، لكن هذه المرونة ليست ميزته الوحيدة. فالمركبات التي تعمل بالأوتوغاز تتمتع بإمكانية التنقل بحرية في العديد من المدن حول العالم دون فرض رسوم تلوث، مما يجعلها خياراً صديقاً للبيئة. كما أثبت الأوتوغاز كفاءته كوقود للمسافات الطويلة، حيث يمكن أن يصل مدى القيادة إلى 1,200 كيلومتر، اعتماداً على حجم الخزان، مما يعزز موثوقيته كبديل عملي للوقود التقليدي.
بالطبع، ليس بالضرورة أن تكون كل التقنيات ‘جديدة’ لتُحدث تحولاً ثورياً. ففي بعض الأحيان، يمكن أن تكون بعض التحسينات الطموحة للموارد الحالية هي المفتاح لإعادة تشكيل مشهد الطاقة المستدامة.
فالأمونيا، على سبيل المثال، ورغم شهرتها الطويلة كمُخصب زراعي أساسي، قد تحمل إمكانات مستقبلية واعدة كوقود لوسائل النقل، مما قد يُحدث تغييراً جذرياً في تقنيات التنقل المتخصصة، ويفتح آفاقاً جديدة لتطوير حلول طاقة مستدامة وفعّالة.
من السماد إلى الوقود: رحلة الأمونيا التحويلية
قد لا تُثير الأمونيا اهتمام السائقين اليوم، لكن مستقبلها يبدو واعداً، حيث يُتوقع أن تؤدي دوراً رئيسياً في أي منظومة نقل مستقبلية خالية من الكربون. ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) في عام 2021، ينبغي أن يُشكّل الوقود القائم على الهيدروجين، مثل الأمونيا، ما يصل إلى 30% من إجمالي وقود النقل بحلول منتصف القرن لضمان تحقيق الأهداف المناخية المتفق عليها دولياً.[12]
لكن التحدي الرئيسي يكمن في استدامة إنتاجها. إذ يتم تصنيع معظم الأمونيا التجارية اليوم عبر تفاعل تحفيزي للنيتروجين والهيدروجين عند درجات حرارة وضغوط عالية، وهي عملية تتطلب كميات هائلة من الطاقة وتُخلّف بصمة كربونية ثقيلة، حيث تُطلق ما يقارب طنين من ثاني أكسيد الكربون مقابل كل طن من الأمونيا المُنتجة.[13]
لكن الخبر السار أن هناك طريقة أفضل.
يتم إنتاج الأمونيا الخضراء باستخدام الطاقة المتجددة، ثم يتم نقلها عبر شبكات الأنابيب إلى محطات الطاقة، ليتم استخدامها بعد ذلك في تشغيل التوربينات المصممة خصيصاً لاستيعاب الخصائص الكيميائية الفريدة لهذا الوقود.
وبفضل كونها وقوداً سائلاً خالياً من الكربون، يُمكن للأمونيا أن تُحدث ثورة حقيقية في قطاع النقل البحري، الذي يُسهم حالياً بنحو 3% من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية.[14]
ومع ذلك، لا ينبغي أن نتوقع ثورة الأمونيا بين عشية وضحاها، إذ يتطلب تهيئة محطات الطاقة لاستيعاب الأمونيا استثمارات ضخمة وتطوير حلول تقنية معقدة. كما أن المحركات الفردية ستحتاج إلى تعديلات مكلفة لتتلاءم مع هذا الوقود. ونتيجة لذلك، لا تزال إمكانات تكنولوجيا الأمونيا الخضراء غير مستغلة بالكامل، رغم ما تحمله من فرص واعدة في مجال الطاقة المستدامة.
لكن هذا الواقع قد يتغير قريباً؛ إذ تشير الأبحاث إلى أن إنتاج الأمونيا قد يرتفع بمقدار مئة ضعف خلال العقود المقبلة، حيث تظهر الدراسات أنها أكثر كفاءة من التقنيات المنافسة في تخزين الطاقة على نطاق واسع وعلى المدى الطويل.[15]
تتفوق الأمونيا المعالجة على الهيدروجين في عدة جوانب، إذ يتطلب الأخير تخزينه في صورته السائلة تحت ضغوط عالية ودرجات حرارة منخفضة تصل إلى -250 درجة مئوية، مما يجعله أكثر تعقيداً من حيث البنية التحتية والتكاليف التشغيلية. كما أن الهيدروجين في حالته الغازية يُعد شديد الخطورة بسبب قابليته العالية للانفجار.
وقد أدركت عدة دولٌ مثل هولندا، واليابان، والمملكة المتحدة، وأستراليا أهمية هذه التقنية، وبدأت في الاستثمار بشكل مكثف في البنية التحتية للأمونيا.
كانت اليابان والمملكة المتحدة من أوائل الدول التي أطلقت محطات تجريبية لإنتاج الأمونيا الخضراء باستخدام طاقة الرياح منذ عام 2018. وفي الولايات المتحدة، أنهت شركة “سي إف إندستريز” (CF Industries) العام الماضي تركيب أحد أكبر أجهزة التحليل الكهربائي القلوية للمياه في العالم في مجمع “دونالدسونفيل” بولاية لويزيانا، بتكلفة بلغت 100 مليون دولار أمريكي، وبقدرة 20 ميغاواط، مما يتيح إنتاج ما يصل إلى 20,000 طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، لتصبح بذلك أول محطة تجارية لإنتاج الأمونيا الخضراء في الولايات المتحدة.[16] أما في أستراليا، فقد بلغ إنتاج مصنع يورا (Yara) في بيلبارا من الأمونيا الخضراء 3,500 طن سنوياً بحلول نهاية عام 2022، وتستهدف زيادة الإنتاج بمقدار خمسين ضعفا بحلول عام 2030، مما يعكس تصاعد الاهتمام العالمي بهذه التقنية ودورها المحوري في رسم ملامح مستقبل الطاقة النظيفة.
يقع أضخم مشروع جديد لإنتاج الأمونيا في الشرق الأوسط في قلب المملكة العربية السعودية، حيث تستضيف مدينة “نيوم” (NEOM) المستقبلية العملاقة، التي تمتد على مساحة 10,000 ميل مربع على ساحل البحر الأحمر، أحد أكبر مشاريع إنتاج الطاقة الخضراء في العالم، والذي تطوره شركة أكوا باور (ACWA Power). ومن المقرر أن تبدأ المنشأة عملياتها بحلول عام 2025، حيث يُتوقع أن تنتج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، إلى جانب 650 طناً من الهيدروجين الأخضر يوميا[17]، مما يجعلها واحدة من أضخم محطات الطاقة المتجددة عالمياً.
ومع ذلك، ليست الأمونيا حلّاً سحرياً لكل التحديات البيئية؛ إذ تُعد الأملاح المركزة الناتجة عن عملية تحلية المياه من أخطر النفايات البيئية الضارة، والتي تتطلب حلولاً متقدمة للحد من تأثيرها السلبي. كما أن التكلفة المرتفعة لا تزال تشكل تحدياً كبيراً، حيث يُعد إنتاج الأمونيا التقليدية أرخص بنحو 73% مقارنة بنظيرتها الخضراء[18]، مما يعيق تبنيها على نطاق واسع في الوقت الحالي.
ومع تسارع التحولات الاقتصادية وقفزات الابتكار في تقنيات الطاقة المتجددة، تقترب الأمونيا الخضراء من لحظة حاسمة، حيث يتوقع الخبراء أن تتفوق من حيث التكلفة على نظيرتها التقليدية المسببة للتلوث، مما يعزز دورها كركيزة أساسية في مستقبل الطاقة المستدامة.
وسيكون الاستثمار الحكومي عاملاً جوهرياً في إنجاح هذا التحول. ففي الولايات المتحدة، تم تخصيص منحة حكومية بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي لتمويل تجارب على تقنيتيّن ثوريتيّن في إنتاج الأمونيا الخضراء: الأولى تتمثل في محفز كيميائي مُحسّن يعزز كفاءة التفاعل ويسرّع عمليات الإنتاج، والثانية تعتمد على ملح امتصاص خاص يُستخدم لاستخراج الأمونيا في نهاية دورة الانتاج.[19]
لكن هناك خططاً أكثر طموحاً قيد التطوير، حيث يسعى العلماء إلى ابتكار طرق جديدة كلياً لإنتاج الأمونيا، بعضها يُلغي الحاجة إلى الهيدروجين تماماً من خلال إنتاج الأمونيا مباشرة داخل خلية كهروكيميائية.
ومع ذلك، فإن إنتاج الأمونيا النظيفة لا يمثل سوى نصف المعركة، إذ يكمن التحدي الحقيقي في تكييفها مع المحركات والتقنيات الحالية، لضمان نجاحها على نطاق واسع، وتحويلها إلى حل عملي وفعال في مستقبل الطاقة المستدامة.
وتُعد تويوتا، الشريك الاستراتيجي منذ فترة طويلة في قطاع التنقل لشركة عبد اللطيف جميل، واحدة من الشركات الرائدة عالمياً في ابتكار تقنيات الأمونيا داخل القطاع الخاص.
وبصفتها إحدى أوائل الشركات في تبني تقنية المحركات الهجينة، تعد تويوتا من بين العديد من شركات تصنيع المعدات الأصلية (OEMs) التي تموّل تطوير محركات احتراق داخلي تعتمد بالكامل على الأمونيا. وتملك تويوتا حصة قدرها 50% في شركة صناعة السيارات الصينية “جي أيه سي” (GAC Group)، التي كشفت في عام 2023 عن محرك نموذجي رباعي الأسطوانات بسعة 2.0 لتر يعمل بالأمونيا، ويولد 161 حصاناً، مع تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 90% مقارنة بالبنزين الخالي من الرصاص.[20]
ويُقال إن محركات “جي أيه سي” نجحت في التغلب على العديد من تحديات استخدام الأمونيا، مثل الضغط العالي للاحتراق والانبعاثات الزائدة من النيتروجين، مما يجعلها خطوة كبيرة نحو مستقبل أكثر استدامة في تكنولوجيا النقل.
وتدرك تويوتا، إلى جانب مؤيدي استخدام الأمونيا كوقود مستقبلي، أن البنية التحتية الحالية للنقل قادرة على استيعاب الأمونيا بسهولة أكبر مقارنة بالمركبات الكهربائية. وفي حال تبنّيها على نطاق واسع، قد تكون محطات إنتاج الأمونيا أقل تكلفة وأسهل في الصيانة مقارنة بالتقنيات المنافسة، مما يعزز فرص تسريع التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري، وتحويله إلى جزء من الماضي.
السيارات الشمسية وأعمدة الشحن: دفعة جديدة لمستقبل التنقل الأخضر
يؤدي نقل الركاب أو السلع من نقطة “أ” إلى نقطة “ب” إلى تكلفة بيئية، بغض النظر عن التقنية الخضراء المستخدمة. ولكن، هل يمكننا الاستفادة من الطاقة الشمسية – المصدر الذي لا ينضب والذي يتميز بنظافته – كمصدر مباشر لتسيير المركبات؟
الإجابة هي “نعم، ولكن بتحفظ”. فمن المرجح أن تُستخدم الطاقة الشمسية كتقنية مساندة لتعزيز مدى قيادة المركبات الكهربائية، بدلاً من أن تكون المصدر الأساسي للطاقة. ومع ذلك، فإن فعاليتها ستظل مرهونة بتوافر إشعاع شمسي قوي ومستدام، مما يجعل اعتمادها على نطاق واسع أكثر تعقدياً، لا سيما في المناطق محدودة التعرض لأشعة الشمس.
ومع ذلك، فإن مستقبل المركبات الكهربائية المسيّرة بالطاقة الشمسية يبدو واعداً، إذ تشير التوقعات إلى أن السيارات المزودة بألواح ضوئية قد تشكل 10% من سوق المركبات الكهربائية بحلول عام 2030.[21]

تواصل تويوتا ريادتها في مجال التنقل المستدام، حيث تأتي سيارتها الرياضية الكهربائية بالكامل “بي زد 4 إكس” (bZ4X) مزودة بألواح شمسية مدمجة على السقف في عدة أسواق، مما يسهم في تقليل المخاوف بشأن مدى القيادة عبر إضافة ما يصل إلى 11.7 كيلومتراً إضافياً يومياً في ظروف الطقس المثالية.

أما تيسلا، فقد خاضت هذا المجال أيضاً عبر طرح مفهوم “المقطورة الشمسية” (Solar Trailer)، والتي يمكنها إطالة مدى القيادة اليومي بمقدار إضافي يصل إلى 50 ميلاً، مما يفتح آفاقاً جديدة لاستخدام الطاقة الشمسية في التنقل النظيف.[23]
ومن ناحية أخرى، أطلقت شركة هيونداي الكورية الجنوبية في عام 2019 سيارتها “سوناتا هايبرد” (Sonata Hybrid) المزودة بألواح شمسية، حيث يتم شحن ما بين 30% إلى 60% من بطارية المركبة بالطاقة الشمسية، وذلك بحسب الظروف الجوية.[22]

وتواصل الشركات الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية الشمسية مثل لايت يير (Lightyear) الهولندية وأبتيرا (Aptera) الأمريكية دفع حدود الابتكار في هذا المجال. ورغم التحديات التمويلية التي واجهتها كلتا الشركتين في سعيهما لإثبات جدوى هذه التقنية، إلا أن كليهما تأملان في إطلاق نماذج إنتاجية بأسعار تنافسية في المستقبل القريب.[24]
ولكن، ماذا لو كانت تغطية المركبات بالكامل بألواح شمسية أمراً مكلفاً أو معقداً للغاية؟ وماذا لو استمرت المركبات التقليدية في فرض عبء بيئي كبير على قطاع التنقل؟ هنا، يظهر حل مبتكر من خارج الصندوق يمكن أن يغيّر المعادلة تماماً: ماذا لو استضافت الطرق الألواح الشمسية بدلاً من المركبات نفسها؟
تعتمد تقنية الطرق الشمسية – أو كما تُعرف تقنياً “الخلايا الكهروضوئية المدمجة في الطرق” (Road-Integrated Photovoltaics) – على استبدال الأسفلت وألواح الرصف التقليدية بألواح شمسية، قادرة على امتصاص طاقة الشمس واستخدامها في شحن المركبات القريبة أو تزويد المنازل والمكاتب بالكهرباء.
وقد تم بالفعل تنفيذ مشاريع تجريبية للطرق الشمسية في فرنسا، وهولندا، والصين، والولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال تبني هذه التقنية على نطاق واسع يواجه عدة تحديات، من بينها التكلفة العالية، وانخفاض مستوى المتانة، وضعف تماسك الإطارات مع السطح، بالإضافة إلى عدم القدرة على تعديل زاوية الألواح الشمسية لتحسين كفاءة امتصاص أشعة.[25]
ورغم هذه العقبات، يمكن للطرق الشمسية أن تُسهم بدور عملي في دعم البنية التحتية للطاقة، خاصة من خلال توفير الطاقة لشحن أعمدة الإنارة، مما يتيح إضاءة الشوارع بطريقة أكثر استدامة ومراعاةً للبيئة. ويتكامل هذا المفهوم مع الجيل الجديد من عدادات الكهرباء المحمولة، التي توفر إمكانية شحن المركبات الكهربائية مباشرة من مرافق البنية التحتية الحضرية.[26]

ومن الأمثلة البارزة على ذلك تقنية الكابلات الذكية من شركة “يوبتريسيتي” (Ubitricity)، والتي يمكن تخزينها بسهولة في صندوق السيارة الخلفي، وتتيح شحن المركبات الكهربائية مباشرة من أعمدة الإنارة أو الحواجز الأرضية، ما يوفر حلاً مبتكراً لمشكلة محدودية نقاط الشحن في المدن. وتُعد هذه التقنية بديلاً اقتصادياً وفعالاً، إذ تبلغ تكلفة تحويل عمود إنارة واحد إلى نقطة شحن ذكية حوالي 1,000 يورو فقط، وهي تكلفة ضئيلة مقارنة بإنشاء وحدة شحن جديدة من الصفر. لذا، ليس من المستغرب أن نرى في العاصمة لندن الآن أكثر من 8,000 نقطة شحن من إنتاج “يوبتريسيتي”، في خطوة تعزز التحوّل نحو مدن أكثر استدامة وتكيفاً مع متطلبات التنقل الكهربائي الحديث.
من الواضح أن مستقبل تقنيات التنقل المتخصصة أكثر تعقيداً وتنوعاً مما يبدو للوهلة الأولى، إذ تتنافس العديد من الحلول على إثبات جدواها في قطاع لا يزال يتركز الاهتمام فيه على المركبات الكهربائية والهيدروجينية، مما قد يحد من استكشاف بدائل أخرى واعدة.
لكن طالما أننا قادرون على التخيل، والحلم، والابتكار، فإن مسيرة السعي نحو تنقل أكثر استدامة ستستمر بزخم متزايد، فاتحةً آفاقاً جديدة لمستقبل أخضر ومبتكر.
التكنولوجيا تدفع عجلة التنقل نحو مستقبل أكثر مراعاة للبيئة
تُعد المنافسة على تحقيق التنقل المستدام سباقاً مصيرياً، فبدونها، نواجه مستقبلاً محكوماً بتحديات بيئية متزايدة تزداد حدة يوماً بعد يوم.
والواقع أن الوقت ليس في صالحنا، إذ يشير تقرير صادر عن المنتدى الدولي للنقل (International Transport Forum) إلى أن الطلب العالمي على التنقل سيواصل الارتفاع خلال العقود القادمة، مما قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاعات النقل البري والبحري والجوي مجتمعة بنسبة 70% بحلول عام 2050، ما لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة للحد من هذه الزيادة.[27]
وفي مايو 2024، أعرب العلماء عن تشككهم المتزايد بشأن قدرة العالم على تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى +1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وفي استطلاع أجرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، أبدى معظم المشاركون مخاوفهم من أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو ارتفاع درجات الحرارة العالمية بنحو +2.5 درجة مئوية، مع احتمال تجاوزها +3 درجات مئوية.[28]
ويحذر بعض الخبراء من أن المستقبل قد يصبح “شبه بائس”، مع تصاعد الظواهر الجوية المتطرفة، وتفاقم المعاناة البشرية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، إلى جانب اضطرابات اجتماعية كبرى قد تهدد الاستقرار العالمي.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن 6% فقط من العلماء الذين شملهم الاستطلاع يثقون في قدرة دول العالم على أن تحقيق هدف +1.5 درجة مئوية، مما يعكس تزايد الشكوك حول قدرة الجهود الحالية على كبح جماح التغير المناخي في الوقت المناسب.
لقد آن الأوان لاتخاذ إجراءات حاسمة وجريئة لتفادي كارثة مناخية عالمية. وتمثل تقنيات التنقل المتخصصة فرصة مهمة للحد من الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم. ويمكن للاستثمارات الطموحة من القطاع الخاص أن تُسهم بدور جوهري في هذه المهمة، إذ يمتلك هذا القطاع المرونة لاستكشاف آفاق جديدة، إلى جانب الموارد اللازمة لتطوير حلول مبتكرة. فمن خلال تعزيز التقنيات المستدامة وتحفيز الابتكار، يمكن للقطاع الخاص المساهمة في تقليل التكلفة البيئية لعالم يزداد ترابطاً واعتماداً على التنقل.
يؤكد فادي جميل، نائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية في عبد اللطيف جميل، أنه لا يوجد ابتكار تكنولوجي واحد قادر بمفرده على إيقاف تأثير قطاع التنقل على الاحتباس الحراري العالمي.
ويضيف:

نائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية
عبد اللطيف جميل
“بل على العكس، كل فكرة مبتكرة ستشكل جزءاً من شبكة واسعة من الحلول، تتداخل مع مبادرات تكميليةمثل المدن الذكية، وتطبيقات طلب السيارات، والنقل التشاركي.”
ويطرح تساؤلاً جوهرياً:
“لا شك أن التنقل يشكل ضرورة أساسية لمجتمعاتنا، لكن هل يجب أن يكون ذلك على حساب بيئتنا؟”
قريباً، ستصبح مشاهد تعبئة خزانات المركبات بالوقود الأحفوري مجرد ذكرى من الماضي
ربما سيكون الوقود الاصطناعي، أو الأمونيا، أو الأوتوغاز، أو السيارات الشمسية ذاتية الشحن جزءاً من مستقبل النقل المستدام، أو ربما هناك حل آخر أكثر تقدماً قيد التطوير في أحد المختبرات، ينتظر لحظة الاكتشاف الكبرى ليغير معادلة التنقل كلياً. لذا، علينا أن نظل منفتحين ومستعدين لاكتشاف المسارات التي سترسمها لنا التكنولوجيا والابتكار والابتكار في رحلتنا نحو مستقبل أكثر استدامة.”
[1]https://ourworldindata.org/electric-car-sales
[2] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2024/trends-in-electric-vehicle-batteries
[3]https://forecourttrader.co.uk/latest-news/hydrogen-vehicles-to-exceed-one-million-globally-by-2027-and-are-necessary-ev-alternative-says-new-study/668631.article
[4] https://www.hydrogeninsight.com/transport/global-sales-of-hydrogen-vehicles-fell-by-more-than-30-last-year-with-china-becoming-world-s-largest-market/2-1-1599764
[5] https://www.iea.org/energy-system/transport
[6] https://www.alliedmarketresearch.com/synthetic-fuel-market-A53653
[7] https://www.repsol.com/en/energy-and-the-future/sustainable-mobility/renewable-fuels/index.cshtml
[8] https://www.easa.europa.eu/en/light/topics/fit-55-and-refueleu-aviation
[9] https://www.easa.europa.eu/en/light/topics/fit-55-and-refueleu-aviation
[10] https://auto-gas.net/why-autogas/autogas-is-clean/
[11] https://www.repsol.es/particulares/vehiculos/autogas/
[12] https://www.iea.org/reports/net-zero-by-2050
[13] https://e360.yale.edu/features/from-fertilizer-to-fuel-can-green-ammonia-be-a-climate-fix
[14] https://e360.yale.edu/features/from-fertilizer-to-fuel-can-green-ammonia-be-a-climate-fix
[15] https://e360.yale.edu/features/from-fertilizer-to-fuel-can-green-ammonia-be-a-climate-fix
[16] https://www.cfindustries.com/who-we-are/clean-energy-initiatives
[17] https://unfccc.int/sites/default/files/resource/202203111154—KSA%20NDC%202021.pdf
[18] https://e360.yale.edu/features/from-fertilizer-to-fuel-can-green-ammonia-be-a-climate-fix
[19] https://www.rti.org/news/rti-international-awarded-funding-us-department-energy
[20] https://energynews.biz/gac-and-toyota-introduce-ammonia-burning-engine-for-passenger-cars/
[21] https://autovista24.autovistagroup.com/news/how-bright-is-the-future-of-solar-powered-cars/
[22] https://www.hyundai.news/eu/articles/press-releases/hyundai-launches-first-car-with-solar-roof-charging-system.html
[23] https://www.pv-magazine.com/2022/07/08/teslas-solar-trailer-for-range-extension/
[24] https://autovista24.autovistagroup.com/news/how-bright-is-the-future-of-solar-powered-cars/
[25] https://ourfuture.energy/bright-idea/solar-powered-roads/
[26] https://ubitricity.com/en/press-releases/converting-street-lamps-into-charging-stations/
[27] https://www.kfw.de/stories/economy/mobility/sustainable-mobility-examples/
[28] https://www.theguardian.com/environment/article/2024/may/08/world-scientists-climate-failure-survey-global-temperature